–البناء
عندما أعلنت اميركا نقل قواعدها من السعودية الى قطر عام 2003، بعدما كانت قيادتها العسكرية لقواتها الجوية خصوصاً تنطلق من قاعدة الأمير سلطان الجوية وأصبحت في قاعدة العيديد القطرية، كان ينكشف حجم العلاقة الأميركية القطرية، لكن بالتوازي كانت قطر تحافظ على علاقاتها بإيران، وفي تلك الأيام بسورية، وصولاً للعلاقة بحزب الله التي شهدت ترجمتها في لقاءات الدوحة الخاصة بلبنان عام 2008 وانتهت باتفاق أوصل العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية والى انتخابات نيابية وفقاً لقانون جديد وحكومة وحدة وطنية.
– لم تكن قطر تلعب من وراء ظهر الأميركي، بل كانت تلعب دوراً في الإستراتيجية الأميركية يتمثل بالوقوف على خط النهايات، وليس على خط البدايات، حيث يشعل الأميركيون حروباً بغيرهم، ويبقون هم الى خط التسويات، وهكذا يقتنع الأميركيون بأن قواعدهم آمنة في قطر، وتستطيع ان تستخدمها في تلك الحروب التي لا تطلب من قطر الانضباط بدفتر شروطها، كما سائر الحلفاء، وصولا الى ظهور لحظة التسوية فتتقدم قطر.
– في الربيع العربي الذي لم يعد مخفياً موقعه في المشروع الأميركي للحرب الناعمة ولا موقع الأخوان المسلمين فيه، ولا دور تركيا، انتقلت قطر الى تجربة مكلفة كان عنوانها الاستجابة لإغراء وهم فرص انتصار المشروع الأميركي بحلته الجديدة، فتولت مهمة الصف الأول في البدايات، لكن الفشل لقطر ومن خلفها لأميركا كان كبيراً، ودفعت قطر ثمناً عالياً في هذه المغامرة، وخرج الأمير من الإمارة، وسقط رئيس الحكومة الاستثنائي الذي تصدّى لحكم دول بحجم مصر، منتظراً سقوط سورية.
– خلال سنوات مضت حاول حلفاء واشنطن الأبرز تصفية حسابهم مع قطر لما اعتبروه تطاولاً على مكانتهم وأدوارهم وعاقبوها، ووقفت قطر تنتظر، وتغيّرت الأوضاع الأميركية وصار الحلفاء الخصوم، وعلى رأسهم السعوديّة في وضع لا يُحسَدون عليه، فخرجت قطر التي يبدو أنها تعلّمت الدرس لتصالح مستجيبة للدعوة مقابل بدء تحرّك لاستعادة الدور، ولكن من موقع نهايات الطريق.
– زيارة وزير الخارجية القطري الى لبنان ومثلها زيارة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، رغم كل نفي لعودة قطر الى دورها، هي تمهيد لهذه العودة، انطلاقاً من إدراك قطري لما يجري في واشنطن، والحاجة لحلفاء قادرين على الإسهام في خفض التوترات وفتح الطريق للتسويات، ومثلها فعلت قطر بالنسبة للعلاقات الأميركية الإيرانية.