عبد الكافي الصمد-سفير الشمال
عبّرت التسريبات المتبادلة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، حول مسودّات تشكيلة أو لوائح أسماء مرشّحة للتوزير إقترحها أحدهما على الآخر، وتعثّر تأليف الحكومة العتيدة مع تعقيدات كثيرة رافقت تشكيلها، عن أزمة ثقة عميقة بين الطرفين، وهوّة واسعة تفصل بينهما بما يتعلق بمقاربة الملفات الداخلية، والتحالفات أو الإرتباطات الخارجية.
منذ تكليف الحريري تأليف الحكومة قبل نحو أربعة أشهر، في 22 تشرين الأول من العام الماضي، بقيت جميع محاولات التأليف تدور في حلقة مفرغة، برغم عقد 16 لقاء بين عون والحريري لهذه الغاية؛ إذ رمى كل منهما تهمة العرقلة على الآخر، في ظلّ تصعيد متبادل بينهما، ورمي أحدهما الآخر بكل التّهم، متجاوزين كلّ أدبيات ولياقات التخاطب بين الرئاستين الأولى والثالثة، خصوصاً بعدما اتهم عون الحريري بـ”الكذب” في فيديو مُسرّب في 11 كانون الثاني الماضي، ردّاً على قوله بأنّه سلّم رئيس الحكومة مسودّة تشكيلة حكومية في لقائهما الثاني الذي عقد في 16 تشرين الثاني السابق، وردّ الحريري عليه في خطاب ألقاه في 14 شباط الجاري، بمناسبة الذكرى الـ16 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، عندما أشار إلى “كمية الكذب والإفتراء والخرافات التي رُميت منذ أن اختارني النوّاب لتشكيل الحكومة”.
من خلال الكشف عن التسريبات المتبادلة بينهما، تبين أنّ عون والحريري إختارا منها الجزء الذي يناسبهما، ويدعم وجهة نظرهما في مواجهة الآخر، ما يدلّ على أن الكباش السّياسي بينهما إتخذ منحى تصعيدياً، بحيث بات كلّ طرف يعتبر بأنّه لم يعد يمكنه أن يتراجع عن مواقفه، ويرى ذلك مكلفاً له، سياسياً وشعبياً ولا يمكنه القيام به، لأنّه يبدو وكأنّه تراجعٌ أو إنتحار سياسي له.
وبرغم أن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله قد رسم لهما “خريطة” طريق تساعدهما في النّزول عن الشجرة العالية التي صعدا إليها، في خطابه الذي ألقاه في يوم الثلاثاء الماضي، فإنّ تلك الخريطة ليست مؤشّراً على اقتناع الطرفين، واقتراب ولادة الحلّ الحكومي، بقدر ما هي مسعى لتبريد الأجواء، وعدم ذهابها في التشنّج بعيداً، لما لذلك من إنعكاس سلبي على الشّارع، وتوتره وانزلاقه نحو المجهول.
إذ يدرك معظم أطراف الطبقة السّياسية في لبنان أنّ الخارج الإقليمي والدولي المؤثّر في الدّاخل اللبناني، والذي بيده الحلّ والربط، مشغول هذه الأيّام بملفات أكثر أهمية بالنسبة له، من ملف إيران النوّوي وعلاقتها مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، والملفين السّوري والعراقي إضافة إلى الملف اليمني، ما يجعل ملف لبنان في آخر سلم الأولويات، ويعني أنّ عليه الإنتظار طويلاً.
إضافة إلى هذه الملفات السّابقة المتقدمة على الملف اللبناني، فإن طرفين إقليمين فاعلين ومؤثّرين في الملف اللبناني، هما سوريا وإيران، مشغولتان في هذه الأيّام بالإنتخابات الرئاسية المقبلة في البلدين، في سوريا بين 16 نيسان و16 أيّار المقبلين، وإيران في 18 حزيران المقبل، وبالتالي فإنّهما يفضلان إرجاء البحث بالملف اللبناني إلى ما بعد إنقضاء الإستحقاقين، وتبلور الكثير من المواقف الإقليمية والدولية حيالهما.