بعد ستة أشهر ونصف… طار التحقيق في جريمة 4 آب!
اندريه قصاص-لبنان24
بعد ستة اشهر وأربعة عشر يومًا من إنفجار العصر، الذي دمرّ نصف بيروت تقريبًا وأدّى إلى مقتل مئتي مواطن وإصابة نحو ستة الآف شخص، وبعد طول إنتظار وتكوين ملف يُقال أنه اشرف على نهايته في كشف الحقيقة، التي توصّل إليها المحقّق العدّلي القاضي فادي صوان، أحال المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري قرار محكمة التمييز- الغرفة السادسة الجزائية المتعلق بنقل ملف إنفجار مرفأ بيروت من يد القاضي صوان الى محقق عدلي آخر يُعين وفقاً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 360 أ.م.ج الى قلم مكتب القاضي صوان، مما يعني حكمًّا أن الملف سُحب من بين يديه لتسليمه إلى قاضٍ، يُرجّح أن يكون مقرّبًا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
بالطبع لن نناقش مضمون القرار من الناحية القانونية، وقد إستفاض القاضي فادي طليع العريضي في تفنيد هذا القرار شكلًا وأساسًا، بل سنلجأ إلى عفوية تحرّك أهالي الشهداء، الذين نزلوا إلى الطرقات إحتجاجًا على نقل الملف من قاضٍ لم يسبق لأحد أن إشتكى من أدائه المهني سوى بعض المتضررين الذين طالبوا تحت مسمّى “الإرتياب المشروع” بعدم أهلية القاضي صوان للنظر في الملف، الذي إستغرقت التحقيقات فيه ساعات طويلة من العمل المتواصل، ليلًا ونهارًا. وهذا يعني بالمفهوم السطحي أن على القاضي الجديد الذي سيعيّن مكانه البدء من الصفر، بإعتبار أن التحقيقات التي أجريت لا أساس لها من الصحّة وإلاّ لما كان القاضي صوان قد أعفي من المهمة الموكولة إليه، الأمر الذي سيدخلنا من جديد في دوامة التحقيق العبثي، على إفتراض أن التوقيفات والشبهات السابقة قد سقطت.
فإلى أي حدّ كان للسياسة دور في تنحية القاضي صوان؟
المؤشرات غير المؤكدة تشي بما لا يقبل الشك بأن ثمة قطبة سياسية مخفية فعلت فعلها في هذه القضية، وقد يكون لتعيين قاضٍ جديد، سواء صحّت المعلومات المتداولة حول قرب القاضي الجديد من رئيس الجمهورية أو لم تصحّ، ما يكشف حقيقة الأمر، خصوصًا أن التجارب السابقة أثبتت أن القضاة الذين يُحسبون على العهد تصرّفوا بطريقة إستنسابية وإنتقائية وكيدية في نبش الملفات، في محاولة من العهد المستقوي بقضاة يخصّونه سياسيًا للإنتقام من بعض السياسيين لمجرد معارضتهم للسياسة المتّبعة ولتجاوز الدستور وعدم إحترام بنوده.
فإذا كانت هذه السياسة هي التي ستكون منطلقًا لعمل القاضي الجديد في ملف وطني حساس إلى هذه الدرجة فإن ذكرى 4 آب ستبقى مجرد ذكرى ليس إلاّ، وستكون دماء الشهداء الأبرياء الذين سقطوا في جريمة العصر قد ذهبت سدّى من دون أي أمل في التوصل إلى كشف الحقيقة كما هي وليس كما يريد لها بعض السياسيين أن تكون عليه.
فالتدخلات السياسية، التي نخرت الجسم القضائي وجعلت بعضًا منه أداة لتحقيق المآرب السياسية الخاصة والبعيدة عن العدالة والضمير المهني، تعود من جديد لتهزّ صورة القضاء النزيه والشريف، مع العلم أن ثمة من يرى، وبكل تجرّد، أن إعادة بناء الدولة لن يتحقّق إلاّ إذا رُفعت اليد السياسية عن هذا القضاء، فيصبح العدل، فعلاً لا قولًا، أساس الملك.
ولأن السياسة تلعب لعبتها في القضاء طالب كثير من اللبنانيين، ونحن منهم، بتحقيق دولي شفّاف وسريع وعادل بعيدًا عن المؤثرات الظرفية والمصالح الشخصية الضيقة، بعدما ثبت باليقين أن التدخلات السياسية في العمل القضائي هي علّة العلل.