بحسب المنطق، عند ارتفاع الأسعار جراء انهيار العملة الوطنية وتدهور القدرة الشرائية، ينبغي التركيز على الإنتاج المحلي، لتمكين المواطنين من تأمين إكتفائهم الذاتي، وحاجاتهم الغذائية اليومية. ولكن في حال رفع الدعم فسيتم القضاء على “آخر خرطوشة” لتحويل الإقتصاد من الريع إلى الإنتاج.
حالة من الضياع
المزارعون ضائعون، “فبعد وصول تسريبة بأن دولة رئيس الحكومة يريد رفع الدعم عن القطاع الزراعي، إتصل بنا مستشاره وأبلغنا بأن دولته ضد رفع الدعم”، يقول رئيس تجمع المزارعين والفلاحين إبراهيم الترشيشي. “وعليه لا احد يملك تفاصيل جديدة عمّا ستؤول إليه الأمور.الكل يجلس مترقباً ما ستحمله الأيام القادمة لجهة ما اذا سيكون هناك رفع للدعم أم لا”. وفي الوقت الذي يؤكد فيه عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عمران فخري عن “رفض رفع الدعم عن القطاع الزراعي”، يرى ان الموضوع يتعلق بقدرة مصرف لبنان على الاستمرار بالدعم وبقيمة الإحتياطي المتوفرة لديه. وبم ان تركيز “المركزي” ينصبّ على دعم الأولويات كالدواء والمحروقات والطحين والقمح، فمن الممكن أن يشهد هذا القطاع رفع الدعم عنه”.
خطورة رفع الدعم
فخري يصف هذا الأمر بالكارثة. “حيث سينعكس على المواطن من جهة والمزارع من جهة أخرى”. ويضيف “إن٘ زيادة أكلاف البضائع تؤدي إلى إرتفاع الأسعار في الأسواق، والمستهلك لا قدرة لديه على شرائها بسبب التضخم. وبذلك يتعزز التصدير على حساب الإستهلاك المحلي والمواطن، بشكل مباشر”. وبدوره يقول رئيس لجنة الإقتصاد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في زحلة والبقاع طوني طعمه إنه “في حال تم٘ رفع الدعم، سيواجه المزارع مشكلة في تصريف الإنتاج. وبالتالي سينخفض ربحه، ويصبح عاجزاً عن الإستمرار بالزراعة”. ويؤكد “ضرورة وجود خطة زراعية طويلة الأمد تتضمن استمرار الدعم.
وذلك لكي يتمكن المزارع من تنويع منتجاته في السوق المحلي. وتمكين المستهلك من المحافظة على أمنه الغذائي بأدنى كلفة ممكنة.
وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان”.
أهمية التصدير
طعمه الذي يؤكد على أهمية دعم القطاع الزراعي يقول إن “البقاع يمثل 43 في المئة من مساحة لبنان، والقطاع الزراعي هو عصبه الاقتصادي، حيث يتعاطى معظم سكانه الشأن الزراعي بشكل مباشر وغير مباشر. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الإقتصاد اللبناني. ونرى اليوم أن كلفة الإنتاج الزراعي أصبحت مرتفعة، بسبب عدم توفر المواد الأولية للزراعة والحاجة لإستيرادها من الخارج. من هنا تأتي أهمية دعم الدولة لنتمكن من منافسة سوق الخليج العربي وتصدير فائض الإنتاج الزراعي”. ويضيف: “كان مفاجئاً إلغاء الدعم في آخر موازنة. وعلى الرغم من ان كلفته لا تزيد عن 30 مليار ليرة، “ضاق بعينهم” هذا المبلغ الصغير لإبقاء القطاع شغالاً. فهذا المبلغ يشجع المزارع على تصدير الفائض وتصريف كامل إنتاجه والبقاء في أرضه واستثمارها”. مشيراً إلى أنه “كنا نستورد في السنة ما يقارب 100 مليون دولار مواد أولية للزراعة ونصدر بالمقابل حوالى مليار ونصف مليار دولار”.
الإحتكار
من المفروض أن يذهب الدعم إلى الأماكن التي يستفيد منها المواطن والمزارعون. ولكن كالعادة طمع وجشع التجار يمنع وصوله للفئات المستحقة. إذ “للأسف إن دعم الدولة لكميات محدودة من السلع ومنها البذور والأسمدة والأدوية الزراعية تقع بيد تجار نافذين يحتكرونها ويبيعونها في السوق السوداء”، يقول فخري. “لذلك من الضروري إعادة تعديل الدعم، وتحديد أسعار الأسمدة والبذور، بحيث يكون الدعم للجميع ووفق سعر واضح يصعب إحتكاره”. دعم الدولة
يجب أن يُعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات المنتجة، وخاصة في ظل الأزمة الصعبة التي يمر بها لبنان. فمن وجهة نظر فخري “لا خيار أمام الدولة سوى دعم الصناعة والزراعة لتعزيز التصدير وإدخال العملة الصعبة إلى البلاد، وهذا ما نشد٘د عليه دائماً”. من جهته يطالب طعمه “رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، ورئيس مجلس النواب، بإعادة النظر بهذا الموضوع. وأن يُلحظ هذا المبلغ البسيط جداً ضمن الموازنة لدعم الزراعة في البقاع التي ظلت محرومة على مر الحكومات المتعاقبة”.
ما يحتاجه لبنان إذاً، هو تخطيط لتطوير قطاعاته الصناعية والزراعية، عن طريق تمويل الإستثمارات ودعم القطاع الخاص من قبل الدولة. ويقول طعمه “الويلُ لأمةٕ لا تُنتج. ولقد وصلنا لمرحلة نشتهي فيها القمح والخبز، ولا يمكن لوم الشعب الجائع إذا احتج وتظاهر في الشوارع”.
ليس القطاع الزراعي حلاً سحرياً للأزمة الإقتصادية في لبنان.
ولكن من الممكن أن يساهم في التخفيف من حد٘تها وتوفير الأمن الغذائي للمواطن وتجنب توسّع الأراضي البور. وإذا لم تُتَّخذ أي خطوة، سيخسر لبنان قطاعاً يشغّل جزءاً كبيراً من اليد العاملة، وخاصة مع بدء الأزمة الإقتصادية، ويساهم أيضاً في ترسيخ دعم السلم الأهلي وتوفير الأمن الغذائي في وقت أصبحت أسعار المنتوجات الزراعية مرتفعة جداً.