“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
بعد الرئيس نبيه بري والبطريرك بشارة الراعي وقبلهما اللواء عباس إبراهيم، حان الآن دور السيّد حسن نصرالله. خلال إحياء ذكرى “الشهداء القادة”، قدّم أمين عام “حزب الله”، “نواة” لطرح حكومي قابل للنقاش. سأل: لماذا حصر عدد الحكومة بـ18 وزيراً، وما المانع من رفع العدد إلى 20 أو 22 وزيراً؟ سريعاً أتى الجواب من المختارة: “فلتكن من 22”.
إذاً “الدار الجنبلاطيّة”، وعبر وكيلها السياسي النائب بلال عبدالله، أبدت موافقة مبدئية، ولا يبدو أنها مشروطة، على توسيع التشكيلة إلى 22 وزيراً، ولعلّ الموقف الإشتراكي “تقدّمي” بمعناه ومضمونه، ما يصلح لتطوير “بالون الإختبار” الذي أطلقه نصرالله، وتحويله إلى “مُنتَج حكومي” كامل الدسم برعاية من الحزب. بهذا المعنى، يجدر بالآخرين المبادرة والتصريح عن مواقفهم!
في الواقع، يجد “حزب الله”، أن تأخير الحكومة بات يعود بالضرر على البلد ككل، لذا لا بد من محاولة ما لكسر الجمود، وفي نفس الوقت، هو يخشى أن يلقى “طرحه” المصير نفسه الذي لاقته كل المبادرات السابقة، لذلك هو مُحتاط تجاه ما يُقدِم عليه، ويُقدّم موقفه على سبيل “عصف الأفكار العلنية” أملاً في تلقّفها ومحاولة البناء عليها.
بهذا المعنى، بدأت الإتصالات على نية تحويل “طرح السيّد” إلى “مبادرة سياسية”، وقد تزامن ذلك مع عودة الإتصالات من قنوات عدة لأجل “تبريد” الخطوط بين بعبدا وبيت الوسط، ودعوة الحريري قبل يومين عبر مستشاره حسين الوجه لوقف الإشتباك مع نواب “التيار الوطني الحر”، تأتي من قبيل “التبريد” وتتيح الظن أنها أتت بناءً على نصيحة أو تمهيداً لإتاحة الفرصة أمام وساطة ما. وثمة من يعتقد أنه وفيما لو قُدّر لـ”طرح السيد” أن يتحوّل إلى مبادرة، سنكون أمام تحوّل سياسي بوصفها المبادرة الجدية الأولى المقبولة من الجميع تقريباً.
وفي المفاضلة بين 20 و 22، يجد كُثُر، من بينهم المختارة، أن الخيار الثاني هو الأفضل، وتُشاطرها في ذلك عين التينة بحكم موقفها السابق والمستمر الداعي إلى تأليف حكومة، وعلى الأرجح، لن تمثّل “التوسعة” مشكلة لدى الرئيس المكلف الباحث عن “تقليم حضور العونيين” بل ستشكّل مخرجاً دون أضرار. عملياً، حكومة من 22 وزيراً تعني سحب “الثلث المعطّل” المزعوم من سلّة رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، ويُمكن أن تمنح لهما 7 وزراء من دون أن يتسبّب ذلك بمشكلة هيكلية أو ميثاقية للحكومة.
كما أن حكومة من 22 وزيراً، تستبطن محاولة لتفتيت “العِقدة الدرزية” الناشئة، والتي ما زالت تتخفّى بين ثنايا المواقف المتصاعدة، والتي قد تشكّل سبباً أقصى يقف حائلاً دون تأليف حكومة. فتوليفة كتلك، تمنح الدروز 3 مقاعد كاملة، وهو مطلب المعارضة الدرزية الذي يتيح لها دخول السراي، وكذلك، تنظّم التمثيل المذهبي الطائفي على الصعيد العددي داخل الحكومة.
في الخلاصة، يمكن القول أن موقف الإشتراكي المُعلن، والمواقف الأخرى التي ما زالت أسيرة المجالس وتحتاج إلى إذاعة علنية كي تصبح ذات قيمة سياسية، يمكن أن تؤثّر على موقف الحريري المتشدّد مع احتمال شطره، وبالتالي، يمكن للرئيس المكلّف أن يُعيد النظر بموقفه حيال الجمود في منطقة الـ18!
عملياً، يقول الحريري أنه يستند في موقفه المُعلن إلى المبادرة الفرنسية، وهو كان قد أبلغَ مسعاه إلى الإليزيه بأنه لا يجد الحل سوى بحكومة من 18. وفي الواقع، الفرنسيون لا يهتمّون بعدد الوزراء في الحكومة ، ما يسعون إليه هو تأليف حكومة “مهمّة” قادرة على الإصلاح وانتشال البلد مما هو فيه، والآن يجدون مصلحة لهم أكثر من السابق، في ضوء احتمال انهيار مساعيهم السياسية بشكل كامل. حتى أن مبادرتهم التي خضعت لقراءات متعدّدة، لم يرد في أيٍ من بنودها، تلميح إلى المنطق العددي الذي يجب أن تؤلّف وفقه الحكومة، وهم قالوا أنهم يريدون حكومة “مهمّة” فقط، ولاحقاً عند سؤالهم من خارج المبادرة حول رأيهم في التشكيلة زمن تسمية السفير مصطفى أديب، وأبدوا ميلاً إلى الصِيَغ الصغرى منها إلى تلك الكبرى.
في واقعة حكومة من 22 وزيراً، من الممكن إدراجها ضمن خانة الحكومات الوسطية، ففي المعايير اللبنانية الحكومات الصغرى هي تلك التي تبدأ بـ 16 وزيراً تبعاً لواقع حفظ التوازنات والتمثيل الطائفي، وتنتهي عند سقف الـ 30 وزيراً. بهذا المعنى، يمكن أن تشكّل صيغة الـ22 مخرجاً وسطياً للجميع.
لكن المسألة غير مرتبطة بفكرة فقط، بل تحتاج إلى نوايا حميدة كي تعبر، وفي ظل الواقع اللبناني الحالي، تُصبح “النوايا” معرّضة للتقلّبات السياسية. أضف إلى ذلك، أن الحكومة لا تحتاج من أجل ولادتها إلى مرسوم فقط، بل عقد نوايا بين جميع أركانها. تصوروا مثلاً أن تتم قيادة البلد المقبل على الإصلاح تحت الرعاية الفرنسية على منوال ما جرى تداوله طيلة أيام من مواقف وبيانات متطايرة وعنيفة بين رُكني الحكم، بعبدا ـ ميرنا الشالوحي وبيت الوسط. فالمطلوب تجديد للثقة والتزام بمعايير أخلاقية وميثاق شرف إعلامي ـ سياسي قبل أي شيء آخر.
الأمور أعلاه لا تتوقف فقط على الرئيس المكلف المطالب بموقف حاسم تجاه “طرح التوسعة” بل على الآخرين ايضاً، ولعلّ زيارة الحريري إلى قطر ولقائه برئيس مجلس الوزراء القطري القادم تواً من زيارة إلى طهران قد تنفع في تليين شروطه.
لكن ثمة خشية من أن يواجِه “طرح السيّد” مصير من سبقه على خشبة المبادرات، لكن في المقابل ثمة قناعة لدى جانب سياسي، أن “نصرالله سينجو” من المِحرَقة الحكومية، بحكم الإعتقاد السائد بأن للحزب دوراً ثقيلاً ومؤثراً على حلفائه، ومتى قرّر يصبح الجميع ملزم أخلاقياً بـ”التقدّم” إلى الأمام.