الوقت- أعلنت الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن مؤخرًا تعليق صفقات الأسلحة مع السعودية والإمارات؛ ويأتي هذا الحادث بعد وقت قصير من توقيع عقد لبيع 50 طائرة مقاتلة من طراز F-35 للإمارات بين هذه الدولة وإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الساعات الأخيرة من رئاسة ترامب.
ويعتقد مراقبون أن تعليق صفقات السلاح بين الرياض وأبو ظبي قد يؤدي في النهاية إلى إلغاء هذه العقود؛ خاصةً أن الإدارة الديمقراطية للولايات المتحدة جعلت وقف مشاركتها في الحرب اليمنية تمهيدًا لإنهائها، وذلك ضمن أولويات المرحلة الأولى من أنشطتها.
في غضون ذلك، ما عكس قرار الحكومة الأمريكية بشکل أکثر هو تعليق بيع طائرات F-35 المقاتلة للإمارات، والذي صاحبه فرح الصهاينة الخفي؛ لأنهم منذ البداية كانوا ضد العقد ويأملون في إلغائه.
كما حاول رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم ربط الخطوة الأمريكية باتفاقية التطبيع الإماراتية مع الکيان، قائلاً إننا في نقطة اللاعودة في هذا الاتفاق.
وفي هذا الصدد، استعرض موقع “المونيتور” التحليلي الإخباري، قرار وزارة الخارجية بتعليق مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات في تقرير له، ووصفه بأنه “الخطوة الحذرة الأولى” من قبل وزارة الخارجية.
وکان وزير الخارجية الأمريکي الجديد “أنتوني بلينكين” قد وصف مراجعة هذه الصفقات، التي تمت في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، بأنها “مراجعة روتينية لأي إدارة جديدة” لضمان أنها تحقق تقدمًا استراتيجيًا وسياسيًا للولايات المتحدة.
وفقًا للتقرير، فإن صفقة الأسلحة هذه مع الإمارات ستجعلها ثاني دولة تمتلك مقاتلة F35 المتقدمة في الشرق الأوسط بعد الکيان الإسرائيلي. وفي هذا السياق، قال السفير الأمريكي لدى الولايات المتحدة “يوسف العتيبة”، إن الصفقة ستمكن الإمارات من تحمل عبء المزيد من الأمن الإقليمي، وبالتالي تحرير الإمكانيات الأمريكية لمواجهة التحديات العالمية الأخرى.
بدوره وصف “ويليام هارتونج” مدير برنامج الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية اليساري، هذه المراجعة بأنها “خطوة أولى حذرة في تغيير سياسة نقل الأسلحة الأمريكية”. وقال “لقد حان الوقت لإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والأمن طويل الأجل على الاهتمامات الاقتصادية، حتى نتمكن بشكل أفضل من تحديد الدول التي ينبغي أن تتلقى الأسلحة الأمريكية”.
وقف بيع الأسلحة الأمريكية لمجرمي الحرب اليمنيين لأغراض إنسانية!؟
لكن المراقبين يقولون إن تحرك واشنطن لوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات يرجع إلى حد كبير إلى سياسات إدارة بايدن تجاه السعوديين، وتعليق صفقات الأسلحة مع أبو ظبي والرياض بحجة أنها تُستخدم في حرب اليمن المدمرة ليس في حد ذاته الهدف الأساسي للديمقراطيين الأمريكيين.
ويظهر تاريخ علاقات ديمقراطيي أمريكا مع السعودية إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي کان جو بايدن نائبه لمدة ثماني سنوات، أنه لن يكون هناك تغيير في طبيعة علاقة واشنطن بالرياض، والتي كانت تقوم على أساس تأمين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط عبر السعودية.
ومن أبرز الملفات التي وعد بايدن بمعالجتها، الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في هذا البلد، ولا سيما اغتيال الصحفي السعودي الناقد جمال خاشقجي والأزمة في اليمن.
ولكن السؤال المطروح هنا هو، ما مدى صحة وعد بايدن بمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في السعودية؟ وما هو الهدف الرئيسي للرئيس الأمريكي الجديد في إثارة هذه القضية؟
بالنسبة لبايدن، السعودية هي بقرة ترامب الحلوب نفسها
بعد ساعات من أداء الرئيس الأمريكي جو بايدن اليمين الدستورية، وبالنظر إلی التزام الإدارة الديمقراطية السابق بتقديم قتلة خاشقجي إلى العدالة، دعا “آدم شيف” رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي وزير الأمن الداخلي الأمريكي إلى نشر التقارير المتعلقة باغتيال خاشقجي.
کما طالب آدم شيف في رسالة إلى مديرة المخابرات الوطنية “أفريل هاينز”، برفع السرية عن التقرير المتعلق بمقتل الصحفي السعودي، الأمر الذي سيكون له أثر خطير على مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض.
کذلك قالت “أفريل هاينز” مرشحة جو بايدن لمنصب مدير المخابرات الوطنية، إنه يتم رفع السرية عن المعلومات حول اغتيال جمال خاشقجي لاستخدام الكونغرس.
في عهد ترامب، كانت سياسة واشنطن تجاه الرياض هي أن الأمريكيين، وبغض النظر عن الانتهاكات والتجاوزات العامة لحقوق الإنسان من قبل آل سعود، يدعمون هذا البلد بقيادة ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان على نطاق واسع، الذي وصل إلی ولاية العهد بتدخل مباشر من ترامب وابنته وصهره. وقد أذعن ترامب نفسه مرارًا بأن هدفه هو فتح الخزانة السعودية للأمريكيين، بل وشبه السعوديين بـ “الأبقار الحلوب”.
ويعتقد المحللون أن بايدن يضع سياسات حكومته تجاه السعودية لنفس الغرض، لكن أسلوبه في استغلال الرياض مختلف. وعليه، فإن التضخيم في متابغة ملف حقوق الإنسان في السعودية وانتهاء الحرب في اليمن، وأخيراً وقف مبيعات الأسلحة لهذا البلد، يفسَّر أولاً وقبل كل شيء على أنه ضغط أمريكي على السعوديين.
أدوات ضغط الديمقراطيين الأمريكيين على السعودية
قضية جمال خاشقجي بمثابة قنبلة موقوتة لمحمد بن سلمان الحاکم الفعلي للسعودية، ويبدو أن الديمقراطيين الأمريكيين يفهمون ذلك جيدًا، وفي المقام الأول يعتبرون التهديد بالکشف عن تقرير جريمة مقتل خاشقجي أكبر ورقة رابحة لديهم للضغط على الأمير السعودي الشاب.
لقد أثَّر الاغتيال البشع لجمال خاشقجي بشكل كبير على مكانة ولي العهد السعودي الشاب في المرحلة الأولى من حكمه للسعودية بآمال وتطلعات كبيرة. کما أن إثارة قضايا مثل الإصلاحات الرمزية وتقديم مجتمع ليبرالي، هي من بين جهوده لإصلاح صورته المشوهة في المحافل الدولية، وخاصةً في الغرب.
والأهم من ذلك، أن المبالغ التي دفعها محمد بن سلمان لترامب وبلغت مليارات الدولارات للتخلص من قضية خاشقجي، ليست شيئًا يمكن التغاضي عنه بسهولة.
في غضون ذلك، تعدّ الأزمة اليمنية من أهم نقاط ضعف النظام السعودي، والتي استطاعت بالإضافة إلى فرض العزلة السياسية علی الحكومة السعودية، إشراك الحكومة الأمريكية في تسوية مشرفة وإجبار بايدن على تقديم وعود في برامجه الانتخابية، تنص صراحةً على وقف الدعم الأمريکي للنظام السعودي في هذه الحرب.
في الواقع، توصَّل بايدن إلى نتيجة مفادها أن حرکة أنصار الله ليست جماعةً مسلحةً صغيرةً خلافا للصورة التي تعرضها وسائل الإعلام السعودية، بل إن أنصار الله يسيطرون على جزء كبير من الأراضي اليمنية، وتوجد أعلى كثافة سكانية في الجزء الذي تسيطر عليه هذه الحرکة.
من ناحية أخرى، فإن السناتور الديمقراطي “بوب مينينديز” عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وبالإضافة إلى معارضته بيع الأسلحة للسعودية، انتقد بشدة المسؤولين السعوديين لانتهاكاتهم لحقوق الإنسان في السعودية، وفي عام 2019 كان هذا السناتور الديمقراطي الكبير مؤيدًا قويًا لمحاسبة السعودية عن حرب اليمن والاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي، ودعا إلى فرض عقوبات عليها بسبب جرائمها، لکن ترامب عارض ذلك.
على صعيد آخر، وبحسب الوثائق المسربة من موقع “سعودي ليكس”، بعد شكوى “سعد الجبري” المعروف بصندوق السعودية الأسود، والذي هرب من السعودية ويعيش حالياً في كندا، وإعلانه أن بن سلمان ينوي تكرار سيناريو خاشقجي بحقه، ذکرت التقارير الإعلامية أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أعلنت أن مسؤولي هذه الوكالة يدرسون خيارات مختلفة بشأن السعودية، وأن هناك احتمالًا بأن تزيل الولايات المتحدة محمد بن سلمان.
بدء مرحلة جديدة من ابتزاز بن سلمان من قبل أسياده الأمريكيين
في هذه الظروف، فإن ولي عهد السعودية الشاب، الذي لم يتردد حتى في قمع أقاربه من أجل الوصول إلى عرش المملكة، ليس على استعداد للتخلي عن حلم خلافة والده.
بالإضافة إلى ذلك، فإن توريد الأسلحة المتقدمة من الولايات المتحدة هو أكبر دعم عسكري للسعوديين، والتعليق المستمر لصفقات الأسلحة يشكل تهديدًا كبيرًا لأمن السعودية، وهذا يعني بداية مرحلة جديدة من ابتزاز واشنطن للسعودية وإعادة فتح الخزانة السعودية أمام الولايات المتحدة.
وكما يتضح من سلوك جو بايدن، على عكس ترامب، فهو يشعر بالاشمئزاز إلى حد ما من محمد بن سلمان وقد ينوي استبداله بولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف، الذي استهدفته حملة بن سلمان. كما أعرب جو بايدن عن معارضته لمحمد بن سلمان منذ الأيام الأولى لاغتيال خاشقجي.
من ناحية أخرى، فقد أعدَّت وكالة المخابرات المركزية بن نايف على مر السنين لتولي السلطة، وكانت الولايات المتحدة قد استثمرت فيه بشکل کبير، ولكن تم تنحيته جانباً بسبب شبه انقلاب محمد ووالده.
ولكن كما قلنا، فإن الديمقراطيين الأمريكيين ليسوا منفصلين عن الجمهوريين في طبيعة أهدافهم، وخاصةً تجاه الشرق الأوسط، وحتى يتم الوفاء بوعود بايدن فيما يتعلق بالسعودية، فلا يمكن القول إنه يعتزم حقًا معالجة وضع حقوق الإنسان في هذا البلد.
ويرى المراقبون أن التحالف بين واشنطن والرياض في عهد الديمقراطيين الأمريكيين سيبقى إلى حد ما بنفس القوة التي كان عليها، خاصةً أن ولي العهد السعودي الشاب ووفقًا للأدلة الموجودة، سيواصل مقاربته السابقة تجاه واشنطن، والمتمثلة في دفع الرشاوى والأموال الباهظة.