عدم إيجاد السريع للأزمة النقدية سيعزل الاقتصاد ويودي بالقطاعات الإنتاجية بعد فنزويلا والموزمبيق… لبنان يستنسخ التجربة الكوبية

تراجعت الواردات الصناعية بنسبة 69 في المئة في العام 2020

خالد أبو شقرا-نداء الوطن
لا تنحصر مفاعيل الإنهيار الاقتصادي بضرب “الرفاهية” التي تمتع بها اللبناني طوال عقدين من الزمن. فأخذ الليرة مكانها الصحيح كعملة إستيراد ضعيفة، سيؤدي إلى تقادم مختلف الآلات والمعدات الكهربائية في المنازل والمصانع، من دون القدرة على تجديدها. والبلد الذي يشبّه بفنزويلا لجهة التضخم، والموزمبيق بانهيار العملة، و”جمهورية الموز” بالفساد، سيشبه في هذه الحالة كوبا لجهة تجديد ما يوجد بـ”الترقيع”.

تشير إحصاءات تجارة لبنان الخارجية الصادرة عن مركز الإحصاء الجمركي للأشهر العشرة الأولى من العام 2020 إلى تراجع واردات السيارات بنسبة 66.7 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019. فيما سجل الميزان التجاري تراجع واردات الأدوات الكهربائية بنسبة 50 في المئة في العام الماضي مقارنة مع العام الذي سبقه. وبالإجمال فقد تراجعت الواردات الصناعية بنسبة 69 في المئة في العام 2020. وإذا أردنا الاستئناس بالارقام، يتبين على سبيل المثال أن قيمة إستيراد الآلات والمعدات الصناعية إنخفضت في شهر نيسان من العام 2020 إلى 5.6 ملايين دولار، مقارنة مع 16 مليوناً في العام 2019. وحوالى 31 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2018. أي إنها تراجعت بنسبة 82 في المئة في غضون عامين فقط. وهذا ما يؤشر إلى أمرين أساسيين، الأول، تراجع الإستثمارات في القطاع الصناعي، وتعرض الآلات للتهالك من دون القدرة على تحديثها وشراء البديل. الثاني، إمكانية الاستمرار في التراجع في القادم من السنوات، خصوصاً في ظل الإنهيار المتواصل للعملة وعدم البدء بالاصلاحات.

التطور الصناعي رهن بتجديد الآلات

إذا كان التراجع في إستيراد الآلات الصناعية في العام 2020 مفهوماً، فان استمراره قد يطيح بكل الانجازات التي استطاع القطاع الصناعي تحقيقها متحدياً كل العقبات. “فمواصلة العمل والانتاج، ومواكبة متطلبات الأسواق العالمية.. رهن بالقدرة على تجديد الآلات”، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين زياد بكداش. “ولا فتح لأسواق جديدة للصناعة اللبنانية، ما لم تتأمن خطوط إنتاج جديدة”. وبحسب بكداش فان “تراجع القدرة على إستيراد المعدات الجديدة، كما كنا نفعل دورياً، يعود إلى عدة أسباب، أهمها: إحتجاز المصارف لأموال الصناعيين، وتوقفها عن فتح الإعتمادات وإعطاء التسهيلات المصرفية. تراجع الصادرات نتيجة عدم القدرة على تأمين المواد الأولية للصناعة المحلية في الوقت المطلوب والكميات المحددة. إقفال البلد لفترات طويلة بسبب جائحة كورونا وتوقف الكثير من المصانع عن الإنتاج، أو العمل بقدرة إنتاجية منخفضة بأحسن الاحوال. وأيضاً تراجع الاستهلاك الداخلي”. كل هذه العوامل أرخت بثقلها على الصناعة الوطنية، وأضيفت على وضع المسؤولين القطاع بمجمله في “المنطقة الرمادية”. فعين عليه لتأمين بدائل الاستيراد والدولارات الطازجة، وعين أخرى على الاستنسابية في دعمه، والبخل في تأمين طلباته واعطائه المحفزات للصمود والتطور. وبرأي بكداش فان “الوضع ما زال لغاية الساعة مقبولاً، ولكن في حال بقيت المصارف بعد العام 2022 عاجزة عن تأمين السيولة اللازمة لشراء المعدات والآلات الجديدة بالدولار، فان الصناعة ستواجه مشكلة كبيرة”، وعليه فان “التعويل اليوم هو على قدرة المصارف لإعادة رسملة نفسها بعد 28 شباط من هذا العام، وفتح صفحة جديدة معها مبنية على الثقة.

ومن بعدها إيجاد طريقة تمكّن الصناعيين من سحب أموالهم وودائعهم بالدولار الطازج لشراء المعدات والآلات من الخارج”.

ومع تحسن الوضع الصحي في الداخل والخارج، وإعادة فتح الاقتصادات العالمية، فمن المتوقع زيادة الطلب في الأسواق الداخلية والخارجية. وهو ما يتطلب زيادة الاستثمارات وتجديد الآلات والمعدات. وإلا ستخرج الصناعة اللبنانية من السوق المحلي والأسواق العالمية.

معارض السيارات… تصفّي

الأمر نفسه ينطبق على قطاع السيارات الذي شهد في العام الماضي تراجعاً دراماتيكياً “نتيجة فقدان الكاش”، بحسب رئيس “نقابة مستوردي السيارات المستعملة”، إيلي قزي، “فأحجم التجار عن الاستيراد وأصبح كل همهم بيع الموجود في المعارض بالدولار النقدي لتأمين السيولة والاستمرار”. ولكن في ظل انخفاض منسوب السيولة النقدية بالدولار بين أيدي المستهلكين، ورفض التجار التعامل بالشيكات والحوالات المصرفية، وتعرض المعارض لخسائر فادحة نتيجة الحجر العام والاقفالات الطويلة…

تراجع عدد المعارض من 2200 معـرض قبل العـــام 2019 إلى حدود 600 معرض في نهاية العام 2020.

حيث بلغت نسبة الإقفالات في القطاع أكثر من 27 في المئة في ظرف أقل من عامين. الأمر الذي سينعكس سلباً على مالية الدولة من جهة، حيث كان القطاع يؤمن عائدات سنوية من الضرائب والرسوم والجمارك والتسجيل بنحو 600 مليون دولار، في حين أن هذا الرقم معرض لان ينخفض، برأي قزي، إلى أقل من 200 مليون دولار. “ومن الجهة الثانية، فان السيارات الموجودة في المعارض والتي تعود إلى الاعوام 2019 و2018 ستصبح قديمة في نهاية هذا العام و”رح تخرب وهيي واقفة”، يقول قزي. “مما يفاقم الخسائر على التجار وأصحاب المعارض ويمنع اللبنانيين من تجديد سياراتهم في الأعوام المقبلة”.

ما يسري على معدات وآلات المصانع والسيارات، يسري أيضاً على أدوات المنازل الكهربائية، والهواتف الخلوية، ومعدات الشركات الالكترونية…

وغيرها الكثير من الأدوات التي ستصاب بالتقادم في المقبل من السنوات. والأخطر ان النقص الفـادح بالدولار سيجبر المستوردين على التوجه إلى الأسواق الرخيصة.

فلن نعود نرى المنتجات الألمانية، الايطالية والفرنسية في المراتب الاولى في لائحة الواردات. حيث من المتوقع ان تتراجع وتحل مكانها دول شرق آسيا وتركيا وحتى إيران وسوريا. الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة الاعطال وقصر عمر هذه الأدوات والآلات.

Exit mobile version