إذا كانت زيارات رئيس “الحزب الاشتراكي” الى عين التينة روتينية ومعتادة فاللقاء الذي حصل بالامس لا يمكن فصله عن حدثين اثنين، كلام الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله المتعلق بالحكومة وسحب احادية التمثيل الدرزي، لصالح رئيس “الحزب الديموقراطي” طلال ارسلان واجتماع خلدة الروحي – السياسي. ما يعزز الشكوك أن جنبلاط قصد صديقه الأقرب شاكياً “حزب الله” على موقف نصرالله الاخير. لا يعلم جنبلاط ان اي طرف لن يقبل بحكومة تتوقف ميثاقيتها على عنصر وحيد فريد يتمثل بحزبه، وفي وقت تسود فيه العلاقة المتوترة مع رئيس الجمهورية والقطيعة مع “حزب الله”. باطلالته أعاد نصرالله خلط الاوراق الحكومية مجدداً. لم يقدّم مبادرة ولا مسعى جديداً انما هو تبنى الموقف الرافض للاستمرار بلا حكومة. خرج ليقول لا اتهم اي فريق بالتعطيل ولكن مصلحة الناس لم تعد تحتمل ما يستوجب تنازلات من الطرفين لتحقيق المكاسب للبنان.
لكن بدا واضحاً من سياق ما قاله انه سحب أحادية التمثيل الدرزي من رئيس “الاشتراكي”، وحاول ايجاد مقاربة لإمساك العصا من الوسط وقد ظهر جلياً تفاهم “حزب الله” مع الرئيس المكلف وان لا موقف سلبياً يحكم علاقتهما، وهذا قد يؤشر الى امكانية الذهاب في خطوات اضافية بينهما لحلحلة العقد. واذا كان رئيس الجمهورية مصراً على الثلث المعطل يقابله اصرار الرئيس المكلف على حكومة من 18 وزيراً، فليتراجع كل طرف خطوة الى الوراء. اذا هي دعوة الى تقديم تنازلات وتدوير الزوايا والعودة الى القواعد الصحيحة لتشكيل الحكومة. المستفيد الاكبر من الخطاب هو اللقاء التشاوري الذي شهدته دارة النائب طلال ارسلان في خلده. وتسليماً بمبدأ ان خطوة كهذه لا تأتي الا عن دراسة وتنسيق مسبقين، فقد بدا واضحاً ذاك التناغم بين توقيت الاجتماع وموقف الأمين العام.
شكل التوقيت عاملاً مساعداً، واعطى الاجتماع بتعدد شرائح المشاركين فيه ورقة للسيد نصرالله ليخرج بموقف علني وواضح في موضوع الحكومة منذ بدء عملية التأليف. لاقى الامين العام اجتماع خلدة برفضه حكومة لا يتمثل في عدادها المكون الدرزي الثاني. قال: “نحن بالبداية قبلنا بـ 18 وقبلنا بالكثير من الأشياء لم نكن نقبل بها من باب أن البلد لا يحتمل تأجيلاً، لكن طالما تأخرنا وتأخرنا شهراً واثنين وثلاثة وأربعة، لماذا الإصرار على 18 ونقطة على أول السطر؟ إذا عملناهم 20 أو 22 هذا يفتح الباب لمزيد من التفاوض”، قاصداً بالتحديد ما “شاهدنا بدارة خلدة” من اجتماع شرائح تشعر أن “هدف 18 هو إلغاؤها”، ويعني كلام نصرالله ان صفحة حكومة من 18 وزيراً طويت وانتهت وان “حزب الله” لم يعد معنياً بوجودها وهو مع حكومة تمثل كل الشرائح، يلاقيه في هذا الموقف رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل اللذان يرفضان أحادية التمثيل الدرزي، وحتى رئيس مجلس النواب ليس بعيداً من هذا المنطق ويعنيه حفظ التوازنات السياسية في الحكومة وتمثيل كل الاطراف. تقول مصادر مطلعة على الجو الدرزي في 8 آذار عن قرب: “صحيح ان بري حليف جنبلاط لكنه سبق وان ابلغ الحريري قائلاً: أنا مع جنبلاط ضدك ولكن حين تعطيه الميثاقية في الحكومة بيقطعك وبيقطعنا”. ومن الاساس لم يكن ممكناً قبول اي طرف باعطاء الميثاقية في الحكومة لرئيس “الاشتراكي”.
بنى كلام الامين العام لـ”حزب الله” معادلة جديدة من غير المعروف بعد موقف الرئيس المكلف منها، وقبوله بالتراجع عن حكومة من 18 وزيراً بعدما كان اكد اصراره عليها “ونقطة على السطر”، لكن الامين العام سأله لماذا الإصرار على 18 ونقطة على أول السطر؟ متمنياً عليه اعادة النظر “من أجل مصلحة البلد” بأن يرفع السطر قليلا او ينزله، ليشكل مخرجاً من الطريق المسدود الذي وصل إليه تشكيل الحكومة. وبهذا يصبح الحريري وحيداً في تأييدها. كانت حجته الدائمة امام رئيس الجمهورية ان الجميع موافق عليها، لكن اتضح ان الكل بات خارج هذا الخيار، بمن فيهم بري الذي لم يعد يرغب بها ولذا ليس مستبعداً ان يصبح التوجه نحو حكومة من 20 وزيراً يتمثل فيها المكونان الدرزيان، او من 22 وزيراً تكون حصة “الاشتراكي” فيها وزيران مقابل وزير لـ”اللقاء الديمقراطي”.
وبانتظار ردود الفعل على كلام امينه العام وموقف الاطراف المعنية، من غير المستبعد ان تكون خطوة “حزب الله” الثانية التحرك باتجاه المعنيين لفتح كوة في جدار التعطيل. واذا كان موقف الحريري لا يزال رهن عودته من الخارج، فان رئيس الجمهورية كما “التيار الوطني الحر” يعارض من الاساس حكومة من 18 وزيراً، ويطالب في ما يتعلق بتوزيع الحقائب والتسميات ان يتم تطبيق وحدة المعايير ويرضى بما يرضاه الآخرون على انفسهم.
بعد التراجع الذي بدأ عن حكومة 18 هل ستكون الخطوة التي تلي مع تغير الظروف التراجع عن حكومة الاختصاصيين، تقول مصادر عليمة: “في حقيقة الامر الجميع لا يريد مثل هذه الحكومة ويؤيد حكومة سياسية لكنه يتهيب الموقف ورد الفعل في الشارع. وعلى ما يبدو فان الاعلان عن مثل هذا التصور بانتظار انضاج الجو الاقليمي والدولي ليس إلا”.