تتجه قطر، على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة، نحو أن تصبح لاعباً سياسياً نشطاً في الشرق الأوسط والعالم العربي ومن الواضح أنها تريد أن تكون فعالة في العديد من المعادلات. لقد أدركت قطر منذ فترة طويلة أنه لكي تصبح قوة على الرغم من قيودها الجغرافية فإنها بحاجة إلى لعب دور سياسي نشط في التطورات الإقليمية. كان هذا مهماً للدوحة لأنها دولة صغيرة بها موارد طاقة كبيرة وتحيط بها السعودية جغرافياً بطريقة ما وبالطبع طغت عليها التجارة الإماراتية.
أجبرت المنافسات السياسية والاقتصادية المعتادة، من جهة، والانقسام الإيديولوجي مع البلدين، من جهة أخرى، قطر على السعي لدور أكثر استقلالية. كما جاء إطلاق وسائل الإعلام على نطاق عالمي، مثل قناة “الجزيرة”، تماشياً مع هذه السياسة وتعزيز أدوات السياسة القطرية والتأثير الدولي. بهذه الخلفية، شهد القطريون تطورات مهمة على الساحة الدولية خاصة على مدى السنوات الأربع الماضية حيث بلغت ذروتها في تعميق خلافاتهم واسعة النطاق مع السعودية وقطع العلاقات بين الجانبين. وفي هذا السياق، ينبغي تفسير زيارة وزير الخارجية القطري لإيران على أنها جهود أكثر أهمية من العلاقات الثنائية.
بالإضافة إلى مسألة العلاقات الثنائية، يبدو أن هناك ثلاث قضايا أخرى مهمة: قضيتا لبنان واليمن والوساطة بين إيران والولايات المتحدة. لقد بذلت قطر بالفعل جهوداً جادة لمناقشة وضع لبنان والتوسط بين الجماعات اللبنانية. ففي وقت سابق، توصلت جميع المجموعات اللبنانية إلى اتفاق مشترك بدعوة قطر لزيارة بلادها. على الرغم من أن هذا الإجراء كان عملياً مشابهاً للإجراء السعودي السابق تحت اسم “إتفاق الطائف” وعملياً لم يحقق جميع أهدافه إلا أنه يظهر أن قطر مهتمة بهذا الموضوع ومطلعة على الموضوع، خاصة وأنها تريد أن تكون المعادلة اللبنانية أقل في أيدي الممثلين السعوديين.
لهذا، يرى القطريون إيران كحليف محتمل في هذه المعادلة سواء من حيث تأثيرهم في لبنان أو قربهم من بعضهم البعض في بعض القضايا الأخرى. ولهذا، يحاول القطريون تعزيز جبهتهم بهذه المشاورات والتوصل إلى حل أكثر موضوعية للقضية اللبنانية.
في الملف اليمني وعلى الرغم من أن القطريين ظهروا في السنوات الأولى بشكل وثيق أكثر مع السعوديين والإماراتيين، إلا أن الخلافات المستمرة بينهم وبين البلدين والتطورات الأخرى غيرت موقفهم. كما رأينا، اتخذ القطريون، في السنوات الأخيرة، موقفاً أكثر عقلانية وبناءة من قضية اليمن. مع وصول إذارد الرئيس جو بايدن إلى السلطة والتغيير العام في سياسة الولايات المتحدة تجاه الأزمة اليمنية التي شهدناها على المدى القصير، تأمل قطر في إضعاف موقفي السعودية والإمارات في اليمن. ولهذا، تريد قطر أيضاً أن تكون في طليعة التطورات المحتملة في اليمن في المستقبل والأهم من ذلك أن يكون لها زاوية واضحة وجادة مع سياسات السعودية والإمارات. بمعنى آخر، أدركت الدوحة الآن أن هناك “وقتاً ذهبياً” لتشكيل تحالف ضد الحرب اليمنية والعمل العسكري في البلاد والتحرك نحو المحادثات اليمنية – اليمنية وإذا حدث هذا الأمر ستكون بالتأكيد اللاعب الرئيسي في منطقة الجمهورية الإسلامية في إيران.
لكن الأهم من ذلك كله هو الإمكانات التي تشعر قطر أنها يمكن أن تظهرها في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة. فهي ترى أن الإدارة الأمريكية الجديدة مختلفة اختلافاً جوهرياً في ضوء العلاقات بين الرئيس السابق، دونالد ترامب، والسعودية وفي الوقت نفسه تدرك أن لديها المستوى المطلوب من العلاقات الثنائية مع كل من واشنطن وطهران.
من هنا، دعونا ندرك أن هذه الوساطة ليست فقط أقرب إلى القوتين، واحدة على المستوى العالمي والأخرى على المستوى الإقليمي؛ ولكن إذا أدت إلى النجاح، فستعني في الواقع مكانة سياسية مختلفة لقطر. هذا يحدث في وقت تطالب فيه فرنسا من السعودية الانضمام إلى الإتفاق النووي؛ وبالنظر إلى تنافس الدوحة مع الرياض، إذا نجحت حكومة الأولى فهذا يعني واقعاً أنها فعلت شيئاً فشل الإتحاد الأوروبي القيام به. والأهم من ذلك، أنه تم صنع لسان حال للمملكة العربية السعودية.
المصدر: جاد إيران.