الوقت- إن حزب العدالة والتنمية الإخواني المغربي يقبع على رأس حكومة الرباط وفي الخريف الماضي، وقعت الحكومة المغربية اتفاقية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وذلك عقب توسط الولايات المتحدة. ولقد قوبلت خطوة حكومة الرباط باحتجاجات كبيرة من جانب أعضاء حزب العدالة والتنمية ويرى المحتجون أن الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات معه يتعارض مع المبادئ الأساسية لحزب العدالة والتنمية، وذلك لأن الأهداف الاستراتيجية لهذه الحزب تركز على دعم الشعب الفلسطيني وتطلعاته. ولقد تصاعدت الاحتجاجات عشية زيارة الوفد الأمريكي الصهيوني للمغرب، والتي كان من المقرر أن يوقع خلالها وزراء من حزب العدالة والتنمية اتفاقية تعاون مع الكيان الصهيوني وفي ذلك الوقت، أفادت الأوساط السياسية ووسائل الإعلام المغربية أن صدعًا عميقًا قد نشأ داخل حزب العدالة والتنمية وأن عددًا من أعضائه سوف يقومون بتقديم استقالاتهم من هذا الحزب.
في الواقع، لقد كانت هذه الفجوة ناتجة عن حقيقة أن بعض أعضاء هذا الحزب الإخواني اعتقدوا أن مصالح المغرب العربي تفوق القضايا الأخرى، خاصة وأن الولايات المتحدة اعترفت بسيادة الرباط على الصحراء الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، دعا الملك “محمد السادس” ملك المغرب إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة في العاصمة القدس وحماية حقوق الفلسطينيين. وأما المجموعة الثانية فتضم سياسيين يرون في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني خيانة للقضية الفلسطينية، وبينما ترأس الرباط اللجنة الدولية لدعم القدس، يعتقد عدداً من أعضاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي، الذين يعارضون بشدة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، أن توقيع اتفاقية التعاون مع تل أبيب من قبل الوزراء المنتسبين لحزب العدالة والتنمية سوف يهز بقوة مكانة الحزب بين أبناء الشعب المغربي.
وحول هذا السياق يُعد “سعد الدين عثماني”، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية ورئيس حكومة ائتلاف الرباط، أبرز مؤيدي تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلى جانب وزراء آخرين محسوبين على هذا الحزب ورغم أن رئيس الوزراء المغربي لم يكن حاضرا يوم توقيع اتفاق التعاون مع الكيان الصهيوني، إلا أنه يبدو أن غيابه كان بسبب ضغوط المعارضة، ولكنه دافع بقوة عن تطبيع العلاقات بعد توقيع اتفاق التعاون بين الرباط وتل أبيب.
وعلى أي حال، يبدو أن الخلاف داخل حزب العدالة والتنمية المغاربي تصاعد لدرجة أن المسؤولين الأمريكيين اضطروا لعقد اجتماعاً عاجلاً بعد زيارة الوفدين الأمريكي والصهيوني إلى الرباط للبت في القضية الفلسطينية واستئناف العلاقات الدبلوماسية المغربية مع الكيان الصهيوني. وفي ذلك الوقت، هدد رئيس الوزراء المغربي بتقديم استقالته إذا لم يوافق حزب العدالة والتنمية على استئناف العلاقات مع “تل أبيب” وكان لتهديد “سعد الدين عثماني” تأثير كبير على الحزب ويقال إنه إذا لم يوافق حزب العدالة والتنمية على تطبيع العلاقات مع “تل أبيب”، فإن مكانة هذا الحزب في هيكل السلطة سيواجه مستقبلاً غامضًا. ولهذا في نهاية المطاف، تبنى حزب العدالة والتنمية سياسة الصمت، بما يدعم السياسة العامة للنظام الغربي تجاه فلسطين وتطبيع العلاقات مع “تل أبيب” ولقد كان لهذه السياسة عواقب على حزب العدالة والتنمية، بما في ذلك استقالة أو تعليق عضوية كبار أعضاءه احتجاجًا على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير أن النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، “المقرئ الإدريسي أبوزيد” هو من أشعل فتيل هذه الاحتجاجات ضد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وجه هذا النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، انتقادات لاذعة إلى قيادة الحزب، على خلفية مواقفه الأخيرة من تطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل وتحدث “أبو زيد” خلال ندوة رقمية عن الأسباب التي دفعته إلى تجميد عضويته في الحزب، أبرزها على حد تعبيره مواقف الحزب النكوصية من قضايا الهوية والأمة، وعلى رأسها قضايا اللغة العربية، وقبولها بإعادة العلاقات مع إسرائيل، واستقلالية الحزب، ومصداقيته أمام ناخبيه. واعتبر “أبوزيد”، أن حزب العدالة والتنمية، “هرول بطريقة غير مسبوقة نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل”، موجها حديثه بشكل خاص إلى “عزيز رباح” عضو الأمانة العامة لحزب “المصباح”، بعد تصريح هذا الأخير، استعداده لزيارة إسرائيل، إذا اقتضى الأمر ذلك باعتباره ممثلا المغرب. ومن جهة أخرى، هاجم “أبو زيد” رئيس الحكومة، “سعد الدين العثماني”، معتبرا أنه سكت على تصريحات وزير في حكومته وعضو الأمانة العامة لحزبه. وطالب “أبوزيد”، “الغاضبين من الوضع داخل الحزب إلى الإستمرار في التعبير مواقفهم وفضح المطبعين والساقطين وعدم تقديم استقالتهم”.
وعلى نفس هذا المنوال، أعلنت جمعية مغربية غير حكومية، يوم الأحد الماضي، أنها جمدت عضوية حزب “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي؛ في الجمعية؛ بسبب توقيع أمين عام الحزب، رئيس الحكومة، “سعد الدين العثماني”، على اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي وأوضحت مجموعة “العمل الوطنية من أجل فلسطين”، وهي تضم منظمات عدة، في بيان، أنها اتخذت القرار خلال اجتماعها الأربعاء الماضي. وأوضحت أن قراراها جاء “انطلاقا مما عرفه المغرب من خطوات تطبيعية مدانة بالتوقيع على اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني”، وكذلك بسبب “مبادرات وتصريحات لبعض قيادات الحزب متناقضة مع مواقف المجموعة الثابتة الرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني”. وأكدت الجمعية في الوقت نفسه “اعتزازها بكل المناضلين داخل الحزب الذين عبروا بوضوح عن رفضهم وإدانتهم الصريحة لتوقيع الخزي والعار ولكل الخطوات التطبيعية واستمرارهم في مقاومة التطبيع والعمل على فرض التراجع عنه”.
وجاء توقيع اتفاقية التطبيع بعد 12 يوما من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”، المدعومة من الجزائر. وأصبح المغرب رابع دولة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل، خلال 2020، بعد الإمارات والبحرين والسودان، لينضم الرباعي إلى الأردن ومصر المرتبطين مع تل أبيب باتفاقيتي سلام منذ 1994 و1979 على الترتيب. وأثارت تطبيع الدول الأربع غضبا شعبيا عربيا واسعا، في ظل استمرار احتلال إسرائيل لأراضي عربية، ورفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وفي الختام يمكن القول أن التطبيع المغربي الصهيوني يسعى إلى توظيف سياسة الادعاء والتزييف، لقلب الحقائق لإقناع الشعب المغربي بسلام مسموم مع ما يسمى إسرائيل وطي صفحة الماضي والقبول بالأمر الراهن، ومن أوهام وزيف التطبيع المغربي وتبريراته؛ الدعائية أن التطبيع سيدعم الشعب الفلسطيني وغيرها من التبريرات، إن لم نقل هو دعم للمشروع الصهيوني على مستوى الادعاء، وشيطنة القضية والمقاومة أمام الرأي العام والشعوب. إن الاتفاق التطبيعي المغربي الصهيوني نجح وهو أمر طبيعي، لكن فكرة اخضاع واجبار الشعب المغربي بقبول هذا التطبيع سيفشل في لوجود مربعات قوة، وغضبة مغربية شعبية، وحاضنة فطرية، بل وللمغاربة حضور في التاريخ، وهوية إسلامية وجهادية ممتدة لاكثر من سبعة قرون في تحرير بيت المقدس، وهم كانوا عونا وسندا للفلسطينيين، بل إن فلسطين في خلد المغاربة ليست جغرافية فقط بل هي جزء من وحي وقرآن.