“ليبانون ديبايت”- فادي عيد
تتوقّع مصادر سياسية واسعة الإطلاع، أن تعود المشاورات إلى المقرّات الرئاسية الثلاث في المرحلة المقبلة، انطلاقاً من الواقع الجديد الذي أرسته حالة الإنسداد شبه الكامل في مسار تأليف الحكومة العتيدة، وذلك في ضوء المعايير التي يجري الحديث عنها في العلن وليس في الإجتماعات الثنائية ما بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.
وتؤكد هذه المصادر، أن عودة المسار الحكومي إلى دائرة الشلل مجدّداً بعد أربعة أشهر، تعني من الناحية العملية، استدعاءً للخارج للتدخل بقوة، ومن دون أية مبرّرات أو عمليات تمويه أو تجميل في الساحة الداخلية، وذلك بعدما باتت اللعبة مكشوفة على أكثر من سيناريو تدخل، منها ما هو فرنسي، ومنها أميركي ومنها عربي، وأخيراً روسي على أثر الدخول الروسي على خط الوساطة ما بين قصر بعبدا وبيت الوسط.
وفي هذا المجال، فإن الدور الروسي الذي يحاذر وفق المصادر السياسية، الإنزلاق إلى رمال الإنقسامات اللبنانية الطائفية والمذهبية، لن يكون أكثر فاعلية من الدور الفرنسي الذي أتى على مستوى رئاسة الجمهورية.
ولكن في الوقت نفسه، تكشف المصادر ذاتها، أن موسكو حريصة على التنسيق المُسبَق مع الإدارة الأميركية، علماً أن محور التركيز الروسي في المنطقة هو الساحة السورية وليس أية ساحة أخرى، ولكن محاولة الوساطة من أجل تسريع الحلول الحكومية في لبنان تشكل عنواناً في الروزنامة الروسية في المنطقة، بصرف النظر عن المرتبة التي يحتلّها لبنان في سلم الأولويات لديها.
وبحسب المصادر، فإن فرضية التدخّل الروسي لا تعني أن موسكو سوف تحلّ مكان باريس، خصوصاً وأن الطرفان يتقاطعان في تحرّكهما مع واشنطن، وإنما يؤشّر هذا الواقع مجدّداً إلى سيطرة العنصر الداخلي بقوة على الأزمة الحكومية، وهو ما يحذّر منه الرئيس نبيه بري أمام زواره منذ أسابيع، وإنما من دون أن يسعى فريقي التأليف إلى التقاط اللحظة الداخلية الدقيقة وانشغال الخارج عن لبنان، من أجل الذهاب نحو تأليف عاجل للحكومة، وتخطي حاجز انعدام الثقة بين “التيار الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، مع العلم أنه بعد الرابع عشر من شباط ورفع السقف من قبل الرئيس المكلّف وردّ رئيس الجمهورية عليه، قد أصبح من الصعب لأي من الرئيسين المبادرة باتجاه الآخر، لأن أي خطوة في هذا المجال، ستُظهر الطرف المبادر، وكأنه يتراجع أمام ضغط الطرف الآخر.
لكن هذا المشهد، وعلى أهميته، تضيف المصادر السياسية، لا يرتقي إلى حال التدهور في الواقعين الإقتصادي والمالي، والذي بات يهدّد وجود الدولة اللبنانية، وبالتالي، لم يعد من المسموح الإكتفاء برمي كرة المسؤولية بين القوى السياسية والإتكال على الجهود الخارجية الغربية منها والإقليمية، وترك الساحة مكشوفة على كل الإحتمالات السياسية والأمنية والإجتماعية، وذلك وفق معادلة أن المجتمع الدولي “لن يسمح بانهيار لبنان بالكامل”، وأن المظلة الدولية ما زالت تحمي الإستقرار الهشّ للدولة اللبنانية، نظراً للتداعيات الخطيرة التي ستنتج عن أي انهيار، وبشكل خاص، على دول الإتحاد الأوروبي.
وعليه، فإن المصادر نفسها، تحذّر من أن الدخول الدولي على خط المشاورات الحكومية، وبصرف النظر عن الفريق الذي يتولاه، سيكون مقدمة لطرح الملف اللبناني بين الملفات المتعدّدة في المنطقة، ومن دون أن يكون التصوّر المطروح له مناسباً لتطلّعات اللبنانيين، بل يتناغم مع تقاطع المصالح الخارجية، والذي غالباً ما سيحصل على حسابه.