ليس في العالم دولة تنزل الى المطار لاستقبال كرتونة دواء الا في لبنان. وليس في العالم من يضع الناس في جو الانقطاع التام للتيار الكهربائي وحلول العتمة الكاسحة الّا المسؤول اللبناني، وتبريره ان اعتمادات الفيول تأخرت، رغم ان هناك ناقلةً محمّلة بالمادة تجوب الشاطئ طولاً وعرضاً. وتتمةً للرواية ينشغل الاعلام اياماً وأسابيع بأخبار الناقلة، إقترابها وابتعادها، مطالب أصحابها وشروطهم… وبما انه على الشيء يُبنى مقتضاه، يتحرك اصحاب المولدات وترتفع الأصوات وينشغل الوزراء والنواب بقضايا الأحياء الى أن تحين الساعة، فتختفي أخبار الناقلة ويطير “فيولها” من دون تفسير للوقائع الغريبة التي حاقت بالمسألة التي ستتكرر بعد حين.
يحصل ذلك ببساطة لأن الدولة المتعارف عليها لم تعد موجودة. أكلتها سلطات الأمر الواقع، ونهبت موجوداتها، وهي استطردت ففجّرت بقاياها في المرفأ والمصارف ومختلف التفاصيل التي تعني ان هناك بلداً طبيعياً لا يزال على قيد الحياة.
ولأن الواقع هو على هذا النحو، سحب العالم ثقته من لبنان الرسمي. ووصفه بأبشع الصفات والنعوت، فخجلت التماسيح ولَم يتغيَّر شيء. صارت المساعدات الى البلد تأتي مباشرة الى الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، ومؤتمرات الدعم تُعقد بغياب الممثلين الرسميين عقاباً لهم، وفي مسيرة حصول اللبنانيين على اللقاح ضد كورونا نموذج آخر كافٍ لجعل أسوأ سلطات الأرض تحمَرُّ خجلاً إن لم تنتحر. فقد كانت حلقات الدبكة تكاد تنعقد في باحة المطار، استعداداً لوصول شاحنات الأحزاب والزعامات القوية، لسحب اللقاح وتوزيعه على المحاسيب، لو لم يكن صاحب اللقاح ودافع ثمنه بالمرصاد مُحدداً الشروط ورافعاً السوط: “لا مجال للواسطة”.
صاحب السوط هو فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا الذي أوضح ان البنك خصص “34 مليون دولار لشراء اللقاحات والمباشرة بحملة تلقيح وطنية تغطي مليوني شخص من اللبنانيين وغير اللبنانيين”، ومضى مضيفاً ان البنك “يصر على تبني أقصى معايير الشفافية في إدارة عملية التلقيح”. ولذلك سوف “يستمر بمراقبة تنفيذ الحملة، وقد كلّف الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدوليين بمتابعة ورصد مسار التلقيح… بموجب عقد مع البنك”.
لم ترِد الدولة المنشرحة في المطار في خطاب البنك الدولي، مع ان الخطاب لم يمانع في ابتهاجها وإبدائها النوايا الحسنة عبر تلقيح ابو سليم الطبل العزيز، لكن المؤسسة الدولية أوضحت للبنانيين انها هي التي تهتم بلقاحهم، أما المسؤولون فعليهم تغيير سلوكهم تماماً، إن لم يجْرِ تغييرهم، كشرط لمواجهة الأزمة العامة، وكورونا ليس الا احد وجوهها.