نبيه البرجي-الديار
أكانوا على هذه الضفة أم على الضفة الأخرى, هؤلاء رجال البدع لا رجال البدائع, وقد ذهبوا بالبلاد الى ذروة الهلهلة, الهلهلة السياسية, والهلهلة الدستورية, وحتى الهلهلة الأخلاقية.
الى متى يتعامل معنا مهراجات الجمهورية كما لو أننا قطعان من الأغبياء, وربما قطعان من… السلاحف؟
أخيراً, لا سبيل أمامنا سوى تلك القامات (المقامات ) المقدسة, والا فوضى الشوارع, وربما فوضى الخنادق. في هذه الحال ما علينا الا أن نطأطئ ظهورنا بعدما لاحظنا كيف أن الذين سقطوا, للتو, اما من سروال يهوذا أو من سروال مكيافيللي, نصّبوا أنفسهم قادة لـ… الثورة!
انطلاقاً من كلمة الرئيس سعد الحريري الذي اعترف, علناً, بأن تشكيلته لحظت أسماء من لائحة الرئيس ميشال عون. عودة احتفالية الى منطق الصفقة, وهو منطق التسوية, دون أن يكون في لغة السوق مكان لنصف الصفقة أو لنصف التسوية.
ولكن ألا يحق للرئيس المكلف أن يتوجس من بدعة الثلث المعطّل؟ بالنسبة اليه, الثلث الجهنمي الذي خلعه من منصبه, وهو في لقائه “التاريخي”, في المكتب البيضاوي, مع باراك أوباما, ليؤتى ببديل يسكنه شبح سعد الحريري, بعدما كان يسكنه شبح رفيق الحريري.
نستذكر ندم واضعي خطة “الانقلاب” عن الخطأ, بل عن الخطيئة التي ارتكبوها بعدما كان الحريري قد استجاب لدعوة الملك عبدالله بن عبد العزيز زيارة دمشق, دون أن يأبه بتأثير ذلك على زعامته داخل الطائفة.
هذا ما حدث في عهد الرئيس الضعيف. ماذا يمكن أن يحدث في عهد الرئيس القوي, حتى وان كان الجنرال قد عاد الى القصر بعدما كانت جدران القصر, بل وجدران الجمهورية, على وشك الانهيار؟
الصفقة ـ التسوية لم تعد مستحيلة. لا شيء مستحيل أمام المنظومة السياسية التي احترفت العبث بالدستور, والعبث بمقومات الدولة التي باتت “ع الحديدة”؟
هنا نتوقف, بالكثير من الحذر, عند ما يشاع وراء الضوء من أن ثمة فريقاً في التيار الوطني الحر يدعو الى تحول دراماتيكي في علاقة التيار بـ”حزب الله” الذي ما مازال يثني على الدور التاريخي الذي اضطلع به الرئيس ميشال عون ابان حرب 2006, وحين لحظ السيناريو الذي وضعه جيفري فيلتمان, بالتواطؤ مع أطراف داخلية, حصار الحزب, وهو في أوج المواجهة مع اسرائيل, ان بالحجارة, أو بالبنادق, أو,,, بالفصائل!
هل كان الشركاء الداخليون يدركون ما هي التداعيات الهائلة لنزول حزب الله الى ما تحت الأرض للعمل من هناك؟؟
ربما يبغي ذلك الفريق الذي يبدو أنه يقرأ الاحتمالات بعيون عرجاء, ولأغراض تتعلق بمعركة رئاسة الجمهورية, تكرار تجربة عهد آخر تعهد بحماية المقاومة بـ”رموش عينيه” قبل أن يتناهى اليه رنين الذهب ليبيع المقاومة بثلاثين فضة, وليغدو أحد منظّري التفاهة.
ربما كانت بارقة الضوء الوحيدة هي في ظهور بعض الأسماء الاستثنائية ان في تشكيلة الرئيس المكلف أو في لائحة رئيس الجمهورية. نتوقف عند السفير السابق جهاد مرتضى لحقيبة الخارجية. الديبلوماسي الدمث, والراقي, والمثقف, الذي يعرف كيف يدخل الى العقل الآخر بحسب ما أكده لنا وزير سابق اتصف بالنزاهة, وبالرؤيوية.
أيضاً لفتنا اسم باسكال لحود, الدماغ المشع الذي يعيد للثقافة في لبنان ألقها, بل وعبقريتها, بعدما عرفنا وزراء للثقافة لا يفرقون بين جبران خليل جبران وكيس البطاطا!
الرئيس الحريري قال “كبسة زر”, وينتقل لبنان من طريق الجحيم الى طريق القيامة. أوحى لنا بأنه عاد من جولته محملاً بالوعود, دون أن يقنعنا كثيراً هذا الكلام بعدما لاحظنا أن بوابة الرياض, وحيث الأصابع الذهبية, لا تزال مقفلة.
طرفا التراشق في مأزق. كل بحاجة الى الآخر. على من يعنيهم الأمر, أن يأخذوا علماً بأن مفاتيح القصر في عهدة الاحتمالات الدولية والأقليمية, وأن سعد الحريري, وأمام أزماتنا القاتلة, لا يمكن أن يكون رفيق الحريري.
من ذهب ذهب. لا يعود ولا… يستعاد!!