–عبد الكافي الصمد–الإخبار
مع غروب يوم أمس، كانت فرقة من مغاوير الجيش اللبناني قد بدأت بالوصول إلى طرابلس، وبدأت بالانتشار في محيط سرايا المدينة وساحة عبد الحميد كرامي (النّور) إيذاناً ببدء تطبيق خطة أمنية تضع حدّاً للفلتان الأمني الذي مضى عليه نحو أسبوع، وأدى إلى اعتداء محتجّين على مدخل السرايا، وإحراقهم، مساء أول من أمس، مبنى المحكمة الشرعية الكائن داخل السرايا، إضافة إلى إحراقهم مبنى بلدية طرابلس، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات في عاصمة الشمال التي اتّهمت الجيش اللبناني والقوى الأمنية بالتقصير في حماية المؤسسات الرسمية والخاصة والأهالي من اعتداءات مندسّين عاثوا في المدينة فساداً وتخريباً.
فبعدما اتهم الرئيس سعد الحريري، أول من أمس، الجيش اللبناني «بالوقوف متفرجاً على إحراق السرايا والبلدية والمنشآت»، خرج الرئيس نجيب ميقاتي ليدعو، بشكل غير مباشر إلى الأمن الذاتي، عندما حذّر في مقابلة مع قناة «الجديد»، من أنه «إذا لم يقم الجيش بحمايتنا وحماية أبناء طرابلس، فإنّ ذلك يعني أن نحمي أنفسنا بأنفسنا»، برغم تأكيده أن «رهاننا هو على الدولة والجيش والقوى الأمنية».
الانتقادات التي وُجّهت إلى الجيش وُجّهت أيضاً إلى قوى الأمن الداخلي، إذ طرحت أوساط سياسية أسئلة عن «أين ذهبت، وماذا فعلت القوة الضاربة في قوى الأمن الداخلي التي وصلت من بيروت إلى طرابلس مساء يوم الأربعاء الماضي، وهل لو كان هناك الحدّ الأدنى من التنسيق الأمني المسبق بين الأجهزة الأمنية، أما كان بالإمكان تلافي الكارثة التي ضربت المدينة ليل الخميس؟».
وأشارت إلى أنه «في بيروت، أقام الجيش والقوى الأمنية طوقاً أمنياً واسعاً حول المراكز الحكومية، ومنعت المحتجين من الاقتراب منها لمسافة بعيدة، فلماذا تركت المراكز الرسمية والحكومية في طرابلس معزولة من أي حماية لإبعاد المخربين عنها؟».
وفيما أسهمت التعزيزات الأمنية التي وصلت أمس إلى طرابلس في تخفيف حدّة التوتر فيها، وإبعاد المحتجّين عن محيط مبنى السرايا، فإن مصادر سياسية وجّهت عبر «الأخبار» انتقادات لمجلس الدفاع الأعلى «لتأخره في الانعقاد من أجل بحث ما يحصل في طرابلس وغيرها من تطوّرات خرجت عن السيطرة، وأدت إلى كسر هيبة الدولة وكشف عجزها»، مضيفة إنّ «صراعات الأجهزة الأمنية وعدم تنسيقها في ما بينها أدى إلى تدهور الوضع أكثر في طرابلس».
ميقاتي يروّج للأمن الذاتي «إذا لم يقم الجيش بحمايتنا وحماية أبناء طرابلس»
لكن أحداث طرابلس لم تكشف فقط هزال الجهات الرسمية، السياسية والأمنية، في حمايتها من المخاطر التي تهدّدها، بل كشفت أيضاً عجز وغياب قواها السياسية كليّاً عن مسرح الأحداث، وعدم وجود أي مرجعية سياسية تستطيع الذود عن المدينة كما الحال في مناطق أخرى.
ولفت المراقبون إلى أنّ «تراجع حضور ونفوذ تيّار المستقبل أخيراً في طرابلس كما في الشارع السنّي، وهو الذي لم يستغل سيطرته على هذا الشارع وإمساكه به لسنوات منذ عام 2005، في تحقيق الحدّ الأدنى من الإنماء والتماسك، وعدم قدرة أو رغبة آخرين كالرئيس نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي والنائب السابق محمد الصفدي وغيرهم في ملء الفراغ الذي تركه تيار المستقبل خلفه، ودخول بهاء الحريري وسواه على خط منافسة تيّار المستقبل في البيئة السنّية، لغايات وأهداف مختلفة، ترك المدينة والشارع السنّي معلّقين في الهواء، بلا أي أفق أو أمل بغدٍ أفضل».