ضربة ترامب النووية.. الجنون النووي وجنون مدن الصواريخ ..
نارام سرجون
الشائعات وفنون الحرب النفسية لاتعيش الا في أوساط يقل فيها العقلاء ويكثر فيها الاغبياء والسذج الذين لايعرفون نعمة طرح الاسئلة ولايتمتعون بنكهة الاستفسار وسلطة اشارة الاستفهام التي تقف في وجه كل كلمة كالقاضي .. فمن هو القاضي الا رجل لايملك الا اشارات الاستفهام.. وثروته كلها هي أدوات الاستفهام .. وقوته تأتي من كثرة مالديه من أسلحة الاستفهام الحادة ولايقبل بأن ينام أي جواب ملء جفونه قبل ان تفتش جيوبه الأسئلة .. فالعقل السليم لاتقدر الشائعة على العيش فيه لأنه مسلح بالأسئلة .. والأسئلة سكاكين وسيوف وشفرات من لايعرف كيف يمسك بها سيقطع أصابعه ولحمه واذنيه ولسانه ..
لاتحتاج الشائعات كي تلبس لباس الحقائق سوى لدى جمهور من المغفلين الذين يصدقون كل مايسمعونه .. وانت لاتحتاج كي تجعل الأكاذيب تبدو وكأنها من سلالات الحقائق وذريات الصدق النقية الا ان ترمي بها بين جموع السذج والأغبياء .. انها مثل نبيذ السكارى والثملين كلما شربت منه لم تزدد الا سكرا وثملا وضياعا ..
واليوم توزع الماكينة الاعلامية الضاربة لاسرائيل وأصدقائها خمورا بكميات هائلة .. فكل خبر يقطر خمرا لذة للشاربين .. وترمي بيننا سلالات من الشائعات كالفيروسات كلما ماتت سلالة ولدت سلالة ثانية وكأنها لعبة كورونا .. فآخر الخمور التي يشربها العالم هي حكاية الضربة النووية المزمعة ضد ايران .. وأجمل مافي هذه الخمور هو سيناريو الضربة النووية التكتيكية يقوم بها ترامب ضد ايران وضد حزب الله .. ويدلل البعض على ان نانسي بيلوسي حذرت من أن الرجل يجب ان يجرد من الحقيبة النووية لأنه غير متزن وقد يكبس الزر النووي .. ويفهم موزعو الخمور لنا أو يريدون منا ان نفهم أن نانسي قلقة على ايران .. بل وربما هي لعبة بين الحزبين الجمهوري والديقراطي بحيث يتفقان على ضربة نووية قاسية ضد ايران وحزب الله.. ويتنصل الجميع منها وينسبونها الى ترامب المجنون والمهووس واليائس والذي يريد توريط اميريكا وزمن بايدن في حرب قاسية مع ايران وبقية العالم بسبب اقدامه على هذه الحماقة الخطرة .. والغاية من ذلك هي تخليص اسرائيل واميريكا من صداع ايران وحزب الله ومحور المقاومة .. بعد ان فشلت كل الحلول السابقة .. ويتفرغ بايدن لقضايا أخرى أكثر الحاحا مثل العجز التجاري والمنافسة مع الصين واستعادة سمعة اميريكا وهيبتها الاخلاقية والعسكرية بعد هذه الضربة التي ستعد العلاج لتراجع هيبة أميريكا التي استعادتها في زمن بوش الأب والابن على حساب العراق الذي تم سحقه في حربين ليكون عبرة لغيره من الدول الطموحة لتحدي اميريكا ..
هذا النوع من النظريات مثل غيره يكون مبنيا على أسس قوية ومقنعة ظاهريا .. وهذا لب الذكاء في هذا النوع من الحرب النفسية في اطلاق الخبر المتماسك والملون والمقنع والذي يغري بالنظر اليه لأنه براق ولأن هندسته جميلة .. ولكنه فارغ من الداخل وأعمدته كرتونية مطلية بطلاء كأنه الفولاذ .. ولكن من لديه القدرة على نسج الأخبار المضادة يمكن أيضا ان يبني سيناريو مقنعا في الاتجاه المعاكس يقول ان أميريكا تخشى وفق معلومات يقينية من عملية انتقام ايرانية في اللحظة الاخيرة لولاية ترامب وهي تلوح بالردع النووي عبر هذه الايحاءات ..
من الواضح ان هناك من يزيد في هذا السعار المحموم والتحريض والتخويف .. وكله يصب في خدمة محور اسرائيل وحلفائها من العرب والأتراك .. ولاتعدو اشارة نانسي بيلوسي الى الحقيبة النووية الا على انها تحرض على ترامب واشاعة نوع من القلق في الأوساط الشعبية .. لأن التقليل من قوة الملكات العقلية لشخص لايثير القلق لدينا الا اذا كان يشكل خطرا علينا بتهوره .. وهل هناك من تهور يخيف مثل التهور النووي؟؟
والغريب ان هناك هستيريا لاحدود لها وهناك من يقول أن لديه معلومات يقينية .. وان ترامب تجرا على ايران في اغتيال اكبر قائد عسكري هو الشهيد قاسم سليماني .. وهو سيتجرأ أكثر الآن .. والبعض يكاد ينقل لنا مباشرة المسافة بين اصبع ترامب والزر النووي .. وكأنه يصورها على هاتفه النقال ..
ولكن مامدى واقعية هذه الأفكار؟ ونحن نعلم ان من يدير أميريكا هي الدولة العميقة .. وهي التي تقرر متى ستضغط الزر النووي وليس ترامب ولا بيلوسي .. وهذه الدولة العميقة هي التي جردت ترامب من السلطة وحرمته بالقوة من الاستمرار ولن تسمح له باستخدام الردع النووي بهذه البساطة .. لأن هناك احتمالا ان يفشل الردع النووي وتسقط آخر أوراق اميريكا الرابحة في تهديد الأمم .. فأي ضربة نووية مهما كانت صغيرة فانها ستترك آثارا كبيرة مدمرة على البيئة التي تستثمر فيها أميريكا والغرب وهي الخليج العربي (المحتل) .. واذا تخيلنا ان الضربة ستكون على مرافق نووية فهذا يعني اشعاعا وتلوثا في الخليج العربي (المحتل) ستتاثر به القواعد الاميريكة وعشرات آلاف الجنود الامريكيين والبريطانيين والجاليات الغربية واستثماراتها المنتشرة في الخليج بمئات الآلاف .. واي ضربة نووية بعيده عن الخليج كأن تكون في مستودعات الصواريخ العميقة تحت الارض فانها تعني ان الردع النووي لم يتحقق .. فهي بمثابة أي ضربة تقليدية طالما أنها لم تكسر ظهر الدولة الايرانية ومشروعها النووي ورمزيته .. أما ضرب أي مدينة في الشمال الايراني فان هذا يعني تلويث الفضاء الأوراسي القريب الى روسيا ذات الأنياب النووية وهو تحرش بقوة نووية خطرة ستتضرر من السحابات الذرية لأي ضربة قريبة من حدودها .. فكما هو معروف فان الحلفاء في الحرب العالمية الثانية اختاروا اليابان للقصف النووي وليس ألمانيا لأن التلوث النووي في اوروبا سيصيب الجميع أما في اليابان فانه بعيد .. وها طبعا سيضعنا امام استنتاج آخر وهو ان من المستحيل ان يتم ضرب اي هدف في لبنان بأي سلاح نووي لأنه سيكون بمثابة ضرب داخل اسرائيل (فلسطين المحتلة) بسبب تقارب المسافات الشديد والتداخل ..
ولكن ماهو أخطر في سينايو حزب الله أو ايران أن مخازن الاسلحة النووية الاسرائيلية ومفاعل ديمونا هي أقرب وأسهل الاهداف للتدمير والاصابة في الرد الانتقامي .. بل ان مجرد اصابة مفاعل ديمونا سيكون مثل تفجير نووي يلحق دمارا لايستهان به .. ناهيك عن خزانات الامونيا والموانئ التي تخزن الذخائر الكبيرة فيها .. بل ان قاعدة انجرليك التركية هي في مدى الاصابة المريح للصواريخ الايرانية وفيها مخازن الناتو النووية في شرق اوروبا .. وضربة عين الاسد أظهرت ان الايرانيين كانوا دقيقين في التسديد بالصواريخ الى مسافة الخطأ فيها كان فقط بأمتار قليلة .. أي انهم قادرون على أن يصيبوا اي مستودع مهما كان مصفحا باطلاق قذائف متعاقبة على نفس النقطة لتحدث الخرق المطلوب كما فعل الاميريكون في ملجأ العامرية العراقي المنكوب حيث أطلق صاروخ على احدى نقاط الملجأ أحدث الاذية الأولى ولحقه صاروخ سقط في نفس النقطة التي انهارت نهائيا بعد الضربة الاولى وأحرق 750 مدنيا وطفلا في لحظات ..
المفاجأة التي لايقدر أحد على التنبؤ بها هي هل مخازن ايران ومدن الصواريخ فقط موجودة في ايران أم ان هناك مدنا للصواريخ منتشرة كالفطر في جنوب العراق وفي سورية وجنوب لبنان؟؟ وهذه ستصاب بالجنون الصاروخي الى درجة أن القادة العسكريين الغربيين يقولون ان القواعد السرية ومدن الصواريخ الايرانية والسورية تحت الأرض جعلت ارض الشرق الأوسط من حدود افغانستان الى الناقورة اللبنانية مثل قالب الجبنة السويسرية ذات الثقوب الكثيرة .. وهذا لاتستطيع اي ضربة في العالم القضاء عليه .. ومهما تضررت فان ماسيبقى لن ينجي الجاني من انتقام رهيب فظيع .. وكان هؤلاء يسخرون من الغارات الاسرائيلية التي تقول انها لمنع ايران من الاستقرار وبناء قواعد صاروخية لها .. لأن ماصار تحت الارض يتجاوز كل امكانات الناتو واسرائيل للسيطرة عليه .. ولكن المفاجأة الرهيبة ستكون اذا تبين ان ايران تخفي قنبلتها النووية واسرائيل تحاول ارغام ايران على اظهارها اليوم لممارسة الردع ضد اي تهور امريكي .. وهذه القنبلة اما انها صنعتها أو حصلت عليها عند سقوط الاتحاد السوفييتي وانتشار الفوضى في الجيش السوفييتي الذي كان يتفكك وترك الكثير من اسلحته في قواعدها حيث جمهورياته التي انفصلت بشكل فوضوي مثل مجموعة طائرات البجعة القاذفة الاستراتيجية التي تركت بعضها في أوكرانيا وغيرها .. فهل لاتزال بعض المستودعات النووية المغلقة كاملة أم انها فقدت بعضا من محتوياتها؟؟
غالب الظن ان هذه رسائل ردع .. وترامب ليس بمقدوره ان يضرب حتى ميلانيا هذه الايام .. ناهيك عن ضرب ايران .. ولكن هذا النشر للشائعات اما لأن هناك عملا من نوع آخر وهو كبير الأذى معنويا .. قد تقوم به اسرائيل ضد هدف في المنطقة .. أو تقوم به ايران ومحورها ضد اسرائيل .. ولذلك يحاول الاسرائيليون ان يخيفوا الجميع ويثيروا الغبار مثل ثور يستعد لمنازلة بالقرون فيقوم بدق الارض بحوافره وأظلافه ولكنه في الحقيقة خائف جدا مما سيقدم عليه ..
أخيرا لكل من يريد ان يبيعنا روث الخنازير واوهامها وكلامها على انها نوع من المجوهرات الراقية .. فاننا سنذكره بما قيل على لسان السيد المسيح: لاتلقوا بالمجوهرات بين اقدام الخنازير .. ولكن من الصحيح أن نقول لمن يريد نشر الرعب في الشرق: لاتلقوا بالخنازير بين أكوام المجوهرات .. لأن الخنازير تبقى خنازير ولن تصبح نوعا من المجوهرات .. والمجوهرات ستبقى مجوهرات مهما استلقت بجانبها الخنازير ولعقتها .. وسيدرك من لم يدرك بعد أننا نملك عنفوانا مصقولا كالألماس وشجاعة رأي لاتخدشها السنة الخنازير ..
المصدر: نارام سرجون