–ملاك درويش–كاتبة واعلامية
الإقتصاد اللبناني بين الريع والإنتاج، وواقع لبنان بين الأمس واليوم أي رؤية إقتصادية لمشكلة متفاقمة..تساؤلات عديدة تجول يومياً في خاطر المواطن اللبناني وتبقى حبيسة الأجوبة المعتادة!
”لبنان لا يستطيع، لبنان هيك تركيبته ولبنان..قيد منظومة أصابها داء التجمّد طوال سنوات!”
ولكن ما هي العوامل الكامنة وراء تفاقم الأزمة الإقتصادية العامة في لبنان بما فيها أزمة الدين العام؟ وكيف يمكن أن نحول المجتمع وإقتصاده من مجتمع ريعي إلى مجتمع حقيقي مبني على الإنتاج؟
غالباً ما يوصف الإقتصاد اللبناني بأنه إقتصاد ريعي من دون أن تلاقي هذه الصفة من يلتقط معناها الحقيقي، لا سيما من جانب الرأي العام المتابع.
فالمواطن اللبناني يعيش تداعيات الإقتصاد الريعي في يومياته، ويعجز عن إدراك مخاطره ونتائجه على تفاصيل حياته.
في التعريف العام، الإقتصاد الريعي هو اعتماد الدولة على مصدر واحد للريع (الدخل)، وفي معظم الحالات يكون مصدرا طبيعياً ليس بحاجة إلى آليات إنتاج.
أما الإقتصاد الريعي المعاصر فيتخذ شكل إقتصاد الخدمات، سواء كانت مالية أو عقارية، أو ما بات يعرف بالإقتصاد الإفتراضي. والأخير هو النقيض للاقتصاد الإنتاجي الذي يتشكل من نمو قطاعات الزراعة والصناعة والإستثمارات على أنواعها.
ولهذا فإن الإقتصاد الذي يقوم مثلاً على نمو حجم الودائع المصرفية أو سندات الخزينة أو تطور الأسواق المالية، أو حتى على سوق العقارات والنفط والثروات الطبيعية، هو عملياً إقتصاد ريعي معرض للمخاطر في كل لحظة..
والخطورة تأتي من عدم تحقيق استدامة النمو، لا سيما في حال نفاذ الثروات الطبيعية التي تعتمد عليها هذه الدول، فيصاب الإقتصاد بالشّلل!، كما أن الوجه المخيف لهذا الإقتصاد هو عدم قدرته على رفع الناتج المحلي الإجمالي ومكافحة البطالة، لا بل هو المسؤول المباشر عن هجرة الشباب إذ أن الإقتصاد الريعي يتركز في قطاعات محددة جداً ولا يخلق دورة إقتصادية متكاملة لتستخدم طاقات الشباب المتعلم بلا جدوى!
بعد اكتشاف الغاز والنفط في لبنان وبالرغم من عرقلة مشروع الاستخراج، لم يتم وضع خطة لتنمية القطاعات بحسب الأولوية، خاصة لمناطق الأطراف الأقل تطوراً بسبب الإهمال المعتاد حتى الآن..ولم يتم وضع تصور لتنمية طاقات الفئات الإجتماعيّة الفقيرة والمتوسطة، والإهتمام بالإنتاج، وكل ما يساعد على تنمية مستدامة ومتوازنة..
واليوم تكثر الدعوات على ألسنة أصحاب الإختصاص، بتحويل الإقتصاد من الريعي إلى المنتج الذي يكون أكثر ثباتاً وقدرة على تأمين فرص عمل للشباب، وطريقاً لنهضة لبنان. فما المقصود بهذا الكلام؟
الاقتصاد المنتج، هو الذي يقوم بمنظومته على القطاعات المنتجة، أي الصناعة والزراعة، وبتعبير آخر هو الذي يستخدم آليات إنتاج تتيح له تكوين كتلته الإقتصادية–المالية..وعادة ما يكون الدين العام في الدول التي تعتمد الإقتصاد المنتج تحت السيطرة.
ولا نغفل عن أن لبنان مقسم وفقاً لإعتبارات سياسية وخارجية من دول عدة، فتركيبته هي المؤثر الأساسي في التركيبة الإقتصادية، لا سيما في تركيبته الديمغرافية القائمة على الخلل في أمور كثيرة مثل توزيع إنشاء المرافئ والمطارات..من هنا يتبين لنا أن عملية إعادة البناء يجب أن توجه قدر الإمكان عملياً، بحيث تدفع بالنشاط الإقتصادي وخاصة الصناعي للانتشار في سائر المناطق وليس بتمركزه بشكل بارز في المدن وحولها ولا سيما في العاصمة بيروت..وهذا إن كان يعني شيئاً فهو بضرورة تطوير الإدارة اللبنانية بشكل يجعل منها أداة خلاقة ذات قوة دافعة وحركة هادفة، تضع أمامها فكرة جوهرية مفادها أن محور الإنماء هو الإنسان نفسه قبل كل شيء آخر..
فإلى متى سنبقى تحت سياسة اليد المرفوعة بين القوي والضعيف، بين من يملك ومن لا يملك؟ وإلى متى ستتحمل الفئات الشعبية العبء الضريبي والتغاضي عن ممارسة الحرية الإقتصادية من قبل رأس المال الكبير حتى درجة التوحش؟ والسكوت عن التهريب عبر المرافئ، الأمر الذي أتاح لحفنة من التجار والقبضايات الإثراء الفاحش على حساب الألوف من الناس..
أدخلتم لبنان في الدائرة الجهنمية المغلقة بين تضخم وعجز ودين عام..وهنا لا بد من التوقف عند المقولات الإقتصادية الأكثر أهمية لنبين عجز هذه السلطات عن تنفيذ سياسات سليمة من شأنها المحافظة على قوة الليرة اللبنانية(المنهارة) بشكل خاص ومستقبل الإقتصاد بشكل عام..وهذا يعني مناقشة كل من: ”إيرادات الدولة، العجز والدين العام..إصلاح النظام النقدي..إقامة سياسة دعم شاملة للنشاطات الإنتاجية..تحقيق الإصلاح الإداري، ووو”…
من نافلة القول أن مثل هذا التغيير في تقاليدنا الإقتصادية وتحقيق الاتجاهات الإصلاحية المطلوبة لبلوغ الهدف، يتحقق بسهولة نظراً للاتجاهات التاريخية في الإقتصاد اللبناني.
فهل أن ما أنجزته شعوب العالم المتقدم من رقي ونهضة سيظل ممنوعاً على لبنان بسبب بعض الأفكار الإقتصادية التبسيطية؟ ألم يحن زمن البدء في إعادة نظر شاملة لأوضاع إقتصادية متردية للغاية هي نتيجة السياسات المطبقة لصالح هذه النظرة التبسيطية التي تختصر البلاد وكل قدراتها الكامنة والمكبوتة؟ ألم يجدر بنا أن نحقق طموحات أجدادنا وطموحات كل اللبنانيين الذين يهاجرون بحثاً عن العمل والعيش الكريم؟..
إن تغيير مصيرنا هو في أيدينا وليس في ما يمكن أن تمنّ علينا الدول الغنية من قروض وهبات جديدة، فالاستمرار بهذا المنحى يعادل إنتحاراً جماعياً لا يمكن أن نقبل به.