ما بين عيد الميلاد وعيد رأس السنة، حال من الجمود غير المسبوق يسيطر على الملف الحكومي، على وقع انقطاع الاتصالات بشكل نهائي ما بين الأطراف المعنية بعملية التأليف بعد انفجار الخلاف ما بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ما ينذر بصراع سياسي مفتوح ينذر فعلا بمرحلة فراغ حكومي طويلة لن تكون حكومة تصريف الاعمال قادرة ابدا على إيفاء متطلباتها الكارثية.
معارك حكومية حامية
وتكشف مصادر سياسية بارزة ومعنية بمأزق الاستحقاق الحكومي لـ”النهار” ان معظم البعثات الديبلوماسية في بيروت باتت من خلال متابعتها الدقيقة الدؤوبة للازمة الحكومية على ادراك ويقين ان ثمة معركة سياسية حادة يخوضها فريق العهد مدعوما بحليفه “حزب الله ” لتشكيل الحكومة التي تلائم أهدافهما الطويلة المدى للسنتين المتبقيتين من ولاية الرئيس عون، وتاليا فان معركة اسقاط تشكيلة الحريري التي قدمها الى عون في اللقاء الثالث عشر بينهما لم ولن تتوقف اذا استمر الحريري متمسكا بها او بالمعايير التي اتبعها في وضع هذه التشكيلة.
وتضيف المصادر نفسها ان الأيام التي فصلت بين انفجار الخلاف على التشكيلة بين الرئيسين عون والحريري ومغادرة الحريري البلاد لتمضية عطلة رأس السنة في الخارج، شهدت الكثير من الاتصالات وراء الكواليس وتبلغت عبرها مراجع سياسية ودينية واوساط ديبلوماسية ان الصراع تجاوز البعد الحصري لتأليف الحكومة وان العهد لن يقبل اطلاقا بتشكيلة يعتبرها صنيعة قرار احادي للحريري بالتنسيق مع الفرنسيين من دون المشاركة الفعالة بكل تفصيل فيها للعهد. ولكن الامر لا يقف هنا بل ان العهد لم يعد يقبل ابدا بمعيار تأليف الحكومة كما وضع الحريري تشكيلته أي بمبدأ التسمية من دون مشاورة القوى السياسية كافة والحصول على توافقات واسعة وغطاء سياسي واسع للحكومة بما يعني تاليا نسف كل أسس التشكيلة الحريرية ومن خلالها المبادئ الجوهرية للمبادرة الفرنسية.
يضاف الى ذلك عامل خطير آخر يتمثل في ان العهد وفريقه السياسي ودوماً مدعوماً بـ”حزب الله ” لم ولن يتنازل ابدا عن الثلث المعطل في الحكومة خلافا لما سبق للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ان اعلنه من قصر بعبدا لدى قيامه بمبادرته للتوفيق بين الرئيسين عون والحريري قبل عيد الميلاد وهي المبادرة التي أطاحتها حرب الشروط الخفية والعلنية للعهد. وتخشى المصادر البارزة نفسها ان تكون المرحلة الطالعة بعد رأس السنة اشد قسوة بتداعياتها على الواقع الداخلي خصوصا اذا صحت المؤشرات التي تنبئ بان ايران تقف بدورها وراء فرملة تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة وترهنها من خلال “حزب الله ” وحلفائه لتلمس الاستعدادات الأولى للإدارة الأميركية الجديدة في ملف التفاوض الأميركي الإيراني.
وفي سياق مماثل أفادت بعض التقارير نقلا عن أوساط معارضة بوجود محاولات حثيثة ومستمرة لدى قسم من السلطة الحاكمة لعرقلة تأليف الحكومة وان آخر ما قام به هذا الفريق هو اقتراح توسيع التشكيلة الحكومية من 18 وزيرا كما وضعها الحريري الى 30 وزيرا بحجة توسيع التمثيل ولكي يكون لكل حقيبة وزارية وزير مع انشاء وزارات لمكافحة الفساد والإصلاح والتصميم. وأشارت هذه التقارير الى انه يجري حض بعض الأقليات الطائفية على المطالبة بحكومة ثلاثينية بداعي تأمين مشاركة أوسع.
تكتم حزب الله
وفي سياق متصل، توقفت مصادر مطلعة ومتابعة عند تكتم حزب الله على ما يجري حول تشكيل الحكومة، مشيرة الى المعلومات المتضاربة عن تسمية الوزيرين الشيعيين الآخرين المقترحين من الحزب، بين من يقول ان الحزب لم يسمِ احداً، وبين من يقول انه متفق مع الحريري، واخرين يقولون ان الحريري لم يستشر الحزب بالاسماء.
لكن المصادر تؤكد لصحيفة “اللواء” ان “الحزب ليس لديه ما يضيفه على ما قاله الامين العام السيد حسن نصر الله في حوار العام حول الوضع الحكومي ، ولا سيما لجهة ان المشكلة ليست فقط بين عون والحريري بل بين الحريري واطراف اخرى، وان المطلوب استعادة الثقة بين الرئيسين للاتفاق على توزيع الحقائب”.
وقالت مصادر مطلعة لـ”اللواء” أن “ما من عنصر جديد في موضوع تأليف الحكومة”، ولفتت إلى أن “ما يتم تداوله من أسماء مرشحة من قبل رئيس الجمهورية للتوزير غير صحيح باستثناء اسم عادل يمين الذي لم يلق تجاوبا من الرئيس المكلف”، مؤكدة أنه “يتم طرح أسماء في الإعلام غير دقيقة على الإطلاق”.
كوبيتش يدق ناقوس الخطر
وبدت لافتة للانتباه إشارة الممثل الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، بما يمثل على المستويين الدولي والأممي، إلى أنّ “القادة السياسيين ينتظرون بايدن”، بينما “النظام الاقتصادي والمالي المصرفي في حالة من الفوضى والسلام الاجتماعي يبدأ في الانهيار والحوادث الأمنية تتصاعد وصرح لبنان يهتز في أساساته”. وفي السياق نفسه، جاء تشديد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط جازماً أمس في معرض تشخيصه للمعضلة الحكومية بأنّ “القوة المركزية في لبنان، أي إيران المتمثلة بـ”حزب الله”، تنتظر استلام الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن للتفاوض معه على الملف اللبناني وعلى الصواريخ والعراق وسوريا واليمن”، مشيراً إلى أنهم “مرتاحون في وقتهم وينتظرون التفاوض، ونرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان. هم يركّبون أجهزة ATM في مناطقهم تُمكّن من سحب مبلغ يصل إلى 5000 دولار نقداً، بينما المواطن اللبناني العادي يذهب إلى المصارف ويتشرشح”.