الحدث

نصرالله قالَ المُريب: خُذوني..!

 

“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى

تابعَت أوساطٌ سياسيّة باهتمام شديد إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخيرة عبر قناة “الميادين”، التي لا يمكن أن نقول فيها سوى أنها إثبات ودليل قاطع لمن لا يزال حتى يومنا هذا يشكّك بحقيقة أن أولويّات السيد نصرالله غير لبنانيّة، فهو بالكاد عرّج على تطورات الواقع اللبناني التي خصّها بأقل من خمس دقائق في مقابلة دامت لقرابة الثلاث ساعات، ظهر من خلالها أمين عام “حزب الله” كشخصيّة إقليميّة لا محليّة وذات اهتمامات خارجيّة لا لبنانيّة.

ولضرورات البحث والتبيان يهمنا التوقف عند النقاط الآتية:

النقطة الأولى، كيف يمكن لرئيس حزب سياسي ذات كتلة نيابيّة في البرلمان اللبناني وتمثيل وزاري في الحكومات المتعاقبة، وليس آخرها على ما يبدو هذه المستقيلة، أن يطلّ متكلّماً بالسياسة من دون أن يتطرّق إلى الملفات التي تهم اللبنانيين الذين يعانون الأمرّين جراء الأزمة الماليّة، الإقتصاديّة، المعيشيّة، الإجتماعيّة، الوطنيّة والسياسيّة غير المسبوقة التي تتخبّط فيها البلاد؟ كيف يمكنه أن يطل من دون أن يأتي حتى على مجرّد ذكر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي الذي أودى بحياة مئتي قتيل وخلّف وراءه مئات المعوقين وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المشردين من أهل العاصمة؟ كيف يمكنه أن يطل من دون أن يتكلّم عن رؤية حزبه لسبل الخروج من المأزق الذي يتخبّط فيه لبنان اليوم والذي يقضي شيئاً فشيئاً على الشعب اللبناني على المستويات كافة، والذي للمناسبة كان من أوقعنا به هو السيد نصرالله وحلفاؤه بالتكافل والتضامن منذ العام 2008؟

النقطة الثانية، لقد عبّر السيد نصرالله بوضوح بأن مشروعه إسلامي، أي ينتمي إلى الإسلام السياسي، وهو يقود هذا المشروع على مستوى المنطقة بحيث تحدّث عن سوريا والعراق واليمن ودور الحزب في شتى الدول العربيّة، وبالتالي كيف يمكن لحزب لبناني أو بالحري لرئيس حزب لبناني أن يجاهر بدور إقليمي يتناقض مع الدستور اللبناني، الأمر الذي كان السبب أساساً في عزلة لبنان عن العالمين العربي والغربي وإفقار الشعب اللبناني؟

النقطة الثالثة، لقد عبّر السيد نصرالله بصراحة تامّة عن أن قائده هو الإمام السيد علي الخامنئي وأنه يأتمر بأوامره وينفّذ تعليماته ويثق بما يقوله الأمر الذي يحسم الجدل قطعاً في أن أولويّة الرجل إيرانيّة لا لبنانيّة وأجندته فارسيّة لا عربيّة.

النقطة الرابعة، ومن باب التساؤل فقط، هل يمكن تصوّر ميشال عون أو نبيه بري أو سعد الحريري أو سمير جعجع أو وليد جنبلاط، مع حفظ الألقاب، يتحدّثون بلغة نصرالله؟ لماذا هذه القيادات التي لديها كتل نيابيّة وتمثيل وزاري تتحدّث بأولويّة ولغة لبنانيّة، فهي وبالرغم من الخلاف العميق في ما بينها لم يسبق أن أطلت وتحدثت باستفاضة عن ملفات غير الملفات اللبنانيّة وأدوار لها خارج الحدود اللبنانيّة، وإنما تعرّج على الأوضاع في المنطقة فقط من باب التحليل السياسي لا غير؟

النقطة الخامسة، من تسنّى له متابعة السيد نصرالله لاحظ بوضوح أن الرجل يحمل مشروعاً إقليمياً وكان له أدوار في نسج خيوطه في أكثر من دولة عربيّة، إلا أن الأخطر من كل ذلك هو أنه مؤمن بهذا المشروع بخلفيّة عقائديّة دينيّة وإيديولوجيّة.

النقطة السادسة، كل ما تقدم في كفّة والصورة التي أطلّ بها السيد نصرالله في كفّة أخرى، لأنه وإن اكتفينا بمجرّد النظر من دون الاطلاع على مضمون المقابلة لتسنى لنا اكتشاف كل ما سبق، وهنا لسنا بحاجة للتمحيص والتدقيق أو لمحللين استراتيجيين لإدراك النتيجة نفسها أعلاه. فقد أطل رئيس الحزب اللبناني بصورتين على الحائط خلفه فوق كتفه اليسار لروح الله الإمام الخميني والإمام السيد خامنئي وصورة على الطاولة إلى يساره أيضاً لقائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني، وقد غاب عن المشهد أي شيء يرمز للبنان. ما يعني أن لبنان قد غاب عن المقابلة شكلاً ومضموناً.

في النتيجة، وبمعزل عن كل النقاط التي أثارها نصرالله في مقابلته كالصراع مع واشنطن وتل أبيب والرياض وحديثه عن ترسانة “حزب الله” العسكريّة إلا أن هذه الملفات مجتمعةً وبالرغم من خطورتها تبقى تفصيلاً صغيراً أمام خطورة رجل يحمل مشروعاً سياسيّاً يتناقض مع أسس تكوين لبنان الأمر الذي يؤكد أن أي تسوية سياسيّة لبنانيّة – لبنانيّة على غرار “اتفاق الطائف” أو جولات لوزان وجنيف التفاوضيّة أو المؤتمرات التي عُقدت وما أكثرها عندما كان الإنقسام السياسي عامودياً بين اللبنانيين المصطفين خلف مشروعين سياسيين متناقضين في حينه، غير ممكن مع السيد نصرالله.

فالرهان على “لبننة” الحزب قد سقطَ منذ حرب تموز 2006 كي لا نقُل منذ ما قبلها، كما أن الرهان على تسوية مع مشروع سياسي يضع لبنان في أسفل سلّم اهتماماته غير ممكن إطلاقاً، لذا لا حاجة لطاولة حوار أو أي شيء من هذا القبيل باعتبار أن لا خيار مجدٍ لمن يريدون لبنان دولة حرّة سيّدة مستقلّة سوى المواجهة السياسيّة السلميّة بكل ما أتيح لهم من وسائل، وهنا نشدد على إبقاء المواجهة سلميّة لأن من يضع لبنان في أسفل سلّم اهتماماته لن يرف له جفن في إحراقه بمن فيه خدمة لمشروعه. وإذا ما كان هناك من رهان على تسوية ما، فهذه التسوية لا يمكن أن تكون سوى أميركيّة – إيرانيّة تعيد ترسيم دور طهران في المنطقة وتفرض على “حزب الله” تسليم سلاحه للدولة.

في الختام، نحن أمام مشروع يريد في الحد الأدنى إبقاء لبنان ساحة من ساحات مشروعه الإقليمي وفي الحد الأقصى أسلَمَته وفق ما دأب على تكراره نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى