ابراهيم ريحان – أساس ميديا-
قبل أيّام، ضجّت وسائل الإعلام بخبر مفاده أنّ بريطانيا أوقفت مساعداتها لجمعية “ماغ” البريطانيّة المتخصصة بنزع الألغام في جنوب لبنان لـ”أسباب سياسيّة” دون أن تُفنّد ماهيّة هذه الأسباب التي أدّت لاتخاذ هذا القرار في الدوائر المعنيّة في وزارة الخارجية والكومنولث البريطانيّة.
مصدر دبلوماسي مُطّلع على السياسة البريطانية في لبنان قال لـ”أساس” إنّ السّبب الرئيسي وراء وقف التمويل هذا دون غيره هو أنّ المنظّمة تزاول عملها في منطقة محسوبة على حزب الله، وبالتّالي هناك الكثير من أبناء البيئة الحاضنة للحزب يعملون في إطارها، وبالتالي فإنّ كثيرًا من موظّفي المنظمة “يؤمّنون الدّولار” للبيئة الحاضنة على حدّ وصف المصدر.
ولفت المصدر إلى ثلاثة معطيات لا بدّ من الإشارة إليها قبل أو تزامنًا مع اتخاذ القرار البريطاني:
الأوّل: صنّفت الخزانة البريطانيّة حزب الله كمنظمة إرهابية وجمّدت أصوله منذ مطلع العام 2020.
الثّاني: غادر السّفير البريطاني كريس رامبلنغ لبنان بشكل مفاجئ لأسباب عائليّة، علم “أساس” أنّها تتعلّق بعائلته التي لم تعد قادرة على العيش في بيروت خصوصًا بعد انفجار 4 آب. وفي هذا الإطار تتجه المملكة المُتحدّة لتعيين سفيرٍ أقلّ “دبلوماسية” من رامبلنغ الذي كان يُفضّل الكلام السّلس.
الثّالث والأهم: التنسيق في إدراج “آل الأخرس” ومن ضمنهم أسماء، عقيلة الرئيس السّوري، على لوائح عقوبات قيصر. ما يشير إلى تصاعد التنسيق بين واشنطن ولندن في الشّرق الأوسط لمصلحة الولايات المُتحدة في مواجهة محور “إيران – سوريا – حزب الله”.
وكشف المصدر أنّ بريطانيا تُخلي قسمًا كبيرًا من الحيّز السّياسي الذي كانت تشغله في لبنان لمصلحة الولايات المُتحدّة. وبالتّالي توجّه الأمور نحو تعقيد أكبر في الأزمة الدّاخلية في البلاد، خصوصًا أنّ المملكة المُتحدة كانت طيلة الفترة الماضية جزءًا من الاجتماعات الأميركية – البريطانية – الفرنسية التي حاولت إيجاد حلّ للأزمة اللبنانية منذ تشرين الثّاني 2019 وضمّت:
– مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر.
– مديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني القاق.
– الموفد الرئاسي الفرنسي كريستوف فارنو، والمسؤول عن الشرق الأوسط في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، والمسؤول الفرنسي عن متابعة تنفيذ مؤتمر “سيدر” بيار دوكان.
وبعد أن عجزت هذه اللجنة “الثلاثية” في الوصول إلى أرضيّة مُشتركة، وجد الفرنسيون هامشًا للتحرّك بعد كارثة مرفأ بيروت تبلور بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرّتين إلى لبنان “بغضّ بصر” أميركي سلبي.
ويشير مراقبون إلى أنّه من المُحتمل أيضًا أن توقِف بريطانيا بعض برامج المساعدات للبنان، خصوصًا تلك المُتعلّقة ببرامج الاتحاد الأوروبي، بعد انسحابها من الاتحاد ضمن قانون Brexit. ويلفت هؤلاء المراقبون أيضًا إلى أنّ إخلاء جزء من مساحة بريطانيا السياسية في لبنان لمصلحة واشنطن لا يعني أنّ لندن غير مُلتزمة بالاستقرار الدّاخلي في لبنان، إلّا أنّ موقفها باتجاه حزب الله سيأخذ منحىً تصاعديًا مع وجود حكومة يمينية على رأس السّلطة في “Downing Street“. وقد زاد التعاون والتنسيق البريطاني – الأميركي (الذي لم ينقطع يومًا) خلال فترة حكم “بوريس جونسون” المُحافظ، وتبنّيه سياسة أكثر حدّيّة من حكومة سلفه تيريزا ماي.
من هذا المُنطلق، من هنا جاء “الهجوم الإعلامي الذي شنّته وسائل إعلام تدور في فلك حزب الله على السياسة البريطانية اتجاه لبنان، ما قد يُعتبر هجومًا استباقيًا على قاعدة “أفضل طريقة للدّفاع هي الهجوم” تحت عنوان “بريطانيا تريد إحراق لبنان” و”المشروع البريطاني «السرّي» للتغيير في لبنان”، الذي نشرت جريدة “الأخبار” ملفّاً عنه قبل أيّام.