إيلي القصيفي – أساس ميديا
لا يعرّف وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي نفسه على أنّه سياسي. يقول إنّه كاتب وباحث وناشط في السياسة وإنّ مفهومه للسياسة يختلف عن السائد: “السياسة عمل مقدّس، أمّا اليوم فقد باتت شتيمة”. يذهب إلى أبعد: “المسيح كان سياسيّاً، بينما اليوم هناك أشخاص تافهون يصنّفون أنفسهم سياسيين في لبنان وأينما كان”.
هو الآتي من الشعر والمسرح والأدب والإعلام والأكاديميا، يقول: “يمكن أن أشتغل في السياسة لكنّي لست مضطراً لذلك، لأنّي لستُ طامحاً للفوز بمقعد نيابي ولا بمنصب وزاري. أنا وزير المصالحة المسيحية ولولاها لما كنتُ وزيراً أو أطمح لذلك”.
لكنّنا في “أساس” أخذناه إلى حيث يريد أو لا يريد، إلى السياسة في عناوينها الكبرى والصغرى، عن اتفاق الطائف و”النظام”، عن “4 آب” وتبعاته، عن التحوّلات في “المجتمع المسيحي”، وكان معه الحوار الآتي:
يبدأ الحديث مع الرياشي من حيث انتهت مقالته الأخيرة المعنونة: “الحلّ حيادٌ… واتحاد”، “الحياد الذي يشكل القبّة الحديدة الحامية للبنان من استثمارات الدم التي تنفّذها الدول المحيطة في أهلنا، كل أهلنا، وشعبنا”، و”الاتحاد أو عيش اللبنانيين في دولة اتحادية قوامها نظام المحافظات”.
هل ما زالت “القوات اللبنانية” متمسكة باتفاق الطائف؟
هذا رأيي والقوات ليست حزباً مغلقاً. لكنّ القرار القيادي ملتزم باتفاق الطائف، طالما أنّ كلّ اللبنانيين ملتزمون به، شرط أن يُطبّق هذا الاتفاق، وليس كما تسير الأمور اليوم. هناك مخالفات بنيوية وجوهرية للطائف نتيجة توازن القوى الحالي. فالاتفاقات لا تطبّق عادة بحسب النصوص إنما وفق موازين القوى.
كيف؟
هناك قوى واقفة مع الناس وحركة الشعب (ضاحكاً) مش قصدي نجاح واكيم. وهناك قوى واقفة في الجهة المقابلة مع مفهوم السلطة التقليدي الذي صار مرفوضاً من قبل الناس. هنا يكمن الصراع، وهو صراع غير متوازن. والدليل أن ليس هناك ملف يصل إلى نهاياته، لأنّ التوازن مختلّ.
لكن “حزب الكتائب” يقيم شراكات مع “قوى الشارع”، “القوات” لا؟
“حزب الكتائب حرّ في ما يفعل ونحن كذلك. القوات سبرت أغوار الحراك الجماهيري، وأكثر من مرّة سبرت أغوار هذه المجموعات أيضاً لتفحّص إمكانات الاتفاق معها، لكن اكتشفنا أنّ الأمر غير ضروري مع معظمها. أعطي مثالاً: دعت عشرات المجموعات إلى تظاهرة على طريق بعبدا بعد انفجار 4 آب، لكن الذين أتوا إليها أقلّ من الداعين لها.
في النهاية بعض هذه المجموعات حقيقي، البعض الآخر غير موجود وهي ليست المؤثرة إنّما حركة الناس تكون وفق قواعد مختلفة، والقوات على تحالف مع هؤلاء الناس وجزء من هذه الحركة.
إذا شهدنا دعوة إلى تسكير طريق ونزل أربعة أشخاص فهذا لا يعني شيئاً، لكن إذا دعت القوات إلى تسكير طريق مع مجموعات مستقلّة كما قصدتُ أعلاه، فالأمر يصبح مختلفاً تماماً، وهو ما حصل في الشيفروليه، ساحة ساسين، عين الرمانة، الأشرفية، ذوق مكايل، جل الديب، القبيات، جبيل، غزير، زحلة وفي مناطق أخرى…
في كانون الثاني هناك حالة جديد ستبدأ بالتكوّن، وستكون مفاجأة كبيرة ومريحة جداً لحركة الرأي العام على مستوى التركيبات الشعبية.
ماذا تقصد بـ”حالة جديدة”؟
اسمح لي أن أكتفي بهذا القدر الآن.
ماذا عن عودة رئيس “التيار الوطني الحرّ” للحديث عن “المسّ بالشراكة”؟
هذا بحث في غير محله في الوقت الحاضر، هناك رغبة شعبية ودولية وكنسية أن تكون حكومة من الاختصاصيين، مع تحفّظي على الكلمة، والأسماء التي تطرح من قبل الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري قابلة للتسييل لكن يجب أن نقدم العربة على الحصان، ونشكل حكومة بسرعة جداً.
أتخوّف من فوضى اجتماعية وأمنية إذا لم تتشكل الحكومة أمس قبل اليوم. ما يمكن أن يحصل بعد الأعياد أمرٌ غير مريحٌ أبداً.
ماذا عن مبادرة البطريرك بشارة الراعي؟
في مكانها، لكن لا أرى لها أفقاً.
فعقدة الحكومة تكمن في وجود قرار دولي بألا يشارك حزب الله في الحكومة، وهذا لا يعني أنّ المجتمع الدولي سيمنع تشكيل حكومة يشارك فيها الحزب، لكن إذا شارك فلا مساعدة دولية للبنان. وحتّى فرنسا ستوقف مؤتمر سيدر، وكذلك السعوديون الذين يتابعون الوضع اللبناني بدقّة لن يبادروا باتجاه لبنان.
مشكلة لبنان أنّه واقع في قلب صراع إيراني – أميركي أدّى إلى حصاره مالياً واقتصادياً إلى حدّ جعله يتدحرج نحو “صومال” جديدة بسرعة قياسيّة واستثنائية. لأنّنا لا نقوم بأي حركة داخلية لوقف الإنهيار. فمن له رغبة ومصلحة في الفوضى؟ الصورة ليست واضحة بعد، لكن أخشى كثيراً أن يتحول لبنان إلى مكبّ نفايات كلّ المنطقة.
كيف؟
أقصد أن يسير القطار على شكل u لاتينية مقلوبة من القاهرة مروراً بفلسطين وإسرائيل ودمشق والأردن وبغداد وصولاً إلى الحجاز، أي أن يكون قطار الحجاز، كما كان يُسمّى في الزمن العثماني، وصولاً إلى اليمن، ولا يمرّ بلبنان. لا يمكن أن يبقى لبنان إذا لم يمرّ هذا القطار فيه. هذه المشكلة الجوهرية، الميمات الأساسية العميقة للدولة مهددة بقرار كبير لتدميرها، وأقصد المستشفى والمصرف والمدرسة والمرفأ، أي الميمات الاستراتيجية للبنان… وقريبا المطار. (التذكرة الى ارتفاع والسفر الى تراجع).
الدكتور سمير جعجع قال إنه لو كان محلّ الرئيس عون لاستقال؟ هل يفهم من هذه العبارة أنّ المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية ستكون عنواناً أساسياً في خطاب “القوات”؟
طرح الموضوع يحتاج إلى مقاربات مختلفة ومعطيات على الأرض مختلفة تماماً.
ما هو شعور عرّاب مصالحة القوات و”التيار الوطني الحر” ملحم الرياشي، وهو يرى هذه المصالحة واتفاقها ينهاران كلّ يوم أمام عينيه؟
نحن في زمن الميلاد، لذلك أقول إنّ المصالحة على مستوى القمة سقطت، أما على مستوى القاعدة فلا. الناس ترى بعضها، تختلف الاثنين وتتصالح الثلاثاء. أمّا اتفاق معراب فقد خلق ثنائية مسيحية أعادت التوازن إلى البلد، والدليل أنّها، وعلى الرغم من الإجحاف الذي لحق القوات، أدّت إلى قانون انتخابي أمّن توازناً وطنياً بالرغم من سيئاته، كما أمّنت لرئيس الجمهورية صلاحيات الجمهورية الأولى ولو من دون نصّ. فضلاً عن الحضور المسيحي في السلطة للمرة الأولى بعد 30 سنة من الغياب والتغييب.
وأنا لطالما قلتُ عندما بدأ البيع والشراء على حساب المصالحة أنّني أحسد الثنائي الشيعي. فاتفاق معراب ليس محاصصة بل شراكة مشروعة بين أكبر قوّتين مسيحيتين في حينه، وعلى الرغم من كل التصدّع الذي أصاب التيار، فهو لا يزال أكبر قوّة مسيحية بعد القوات.
هل يمكن الحديث بعد 4 آب عن قوّتين مسيحيتين؟
هذا سؤال مهم جداً… في النهاية نجاح العمل الحزبي من لينين حتى اليوم هو بالمثابرة وليس بالدعاية، والدليل حضور القوات في المنطقة التي تضرّرت من الانفجار. هناك جمعيات تنظم احتفالات وأخرى تساعد، لكن وحدها القوات بجهازها الاجتماعي دائمة الحضور، إذ رممت من خلال جمعية ground zero اكثر من 800 منزلاً ترميماً كاملاً والحبل على الجرار… وسنكمل لخمس سنوات.
هناك تحوّل سياسي في المجتمع المسيحي ويجب أن ننتبه لمنع سقوط الجيّد في جريرة السّيء في مرحلة الخضرمة بين رفض الأحزاب وبين تأييد البناءات السياسيّة الجديدة. والحال أنّ جزءا من الشباب ينحو منحى بعيداً عن الأحزاب، بينما جزء آخر يذهب أكثر صوب الأحزاب، خصوصاً تلك التي تشكّل الأجساد الصلبة، لأنّه يعلم أنّها تشكّل له صمامات الأمان.
الناس يعرفون ما لا يريدون لكنّهم لا يعرفون ماذا يريدون، ونحن مسؤوليتنا التاريخية أن نقول: نريد الدولة الفعلية ونظاماً جديداً للبنان، نريد حلولاً جديدة للبنان تتلاءم مع كل المكوّنات المجتمعية، لكن في الوقت نفسه لا تلغي الرغبات الشبابية لعلمنة الدولة والتي تتضارب مع مصالح كبيرة جدا في البلد. لذلك فالحلّ في الحياد والاتحاد عبر دولة حديثة مركزيتها علمانية. ويعود للبنانيين اختيار شكل هذا الحلّ وفق مقتضيات إدارة التعددية وحماية التنوّع في البلد. لكنّ الأكيد أنّنا لا نستطيع أن نكمل بالصيغة الحالية.
هذا رأيي الشخصي ولا ألزم القوات به، لكنّه على طاولة النقاش بقوّة داخلها.
انت ابن الصيفي ومعنيّ عن قرب بالتحقيقات في انفجار المرفأ، ما رأيك بها؟
مع احترامي للقاضي فادي صوّان، لكن نحتاج إلى دعم دولي، إلى لجنة تقصّي حقائق دولية تشرف مباشرة على تحقيقات المرفأ وتعطي الأمان للموقوفين قيد التحقيق ليقولوا ما عندهم.