عبد الكافي الصمد-سفير الشمال
دخلت البلاد في إجازة طويلة، أين منها عطلة عيدي الميلاد ورأس السّنة، لا يعرف أحد متى تنتهي، ولا ماذا سيحصل في البلاد من تطوّرات وتداعيات للأزمات المتراكمة والمعقدة على كلّ الصّعد خلال هذه الفترة، وسط انطباع عام بدا معه كأنّما الكلّ سلّم أنّ لا حلول في الأفق القريب، وأنّ الردّ كان بالإستسلام أمام العجز عن إيجاد الحلول، وعلى وجه التحديد في ما يتعلق بتأليف الحكومة.
في اللقاء الـ13 الذي عقد في 22 كانون الأول الجاري في قصر بعبدا، وجمع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، جرى ضخّ معلومات تحدثت عن أجواء إيجابية أوحت بأنّ ولادة الحكومة ستكون قريبة، وأنّها ستكون قبل حلول عيد الميلاد في 25 الجاري، وبأنّ “لقاءات متتالية” ستعقد لهذه الغاية بين كلا الرئيسين لهذه الغاية.
لكن لم تكد تمرّ 24 ساعة على ذلك اللقاء الذي أعقبه لقاء آخر بين الرئيسين في اليوم التالي، حتى تبين بأنّ أجواء التفاؤل هي مجرد أوهام، وأنّ الأمور ما تزال تدور ضمن حلقة مفرغة وتجاذبات حكمت عملية التأليف، منذ تكليف الحريري تشكيل الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي.
اللقاءات المتتالية التي تحدث عنها الحريري تبخّرت سريعاً، وبدلاً من ذلك جرى طيّ ملف تأليف الحكومة وتأجيله حتى العام المقبل، من غير تحديد أي موعد لإعادة دورة الإتصالات السّياسية وضخّ الدم فيها، من أجل دفع الأمور نحو ولادة الحكومة، وسط ترجيحات تقول إنّ أيّ مسعى لهذه الغاية لن يبصر النّور قبل تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد السلطة في البيت الأبيض من سلفه دونالد ترامب، بعدما سلّم جميع الفرقاء في لبنان، تقريباً، بذلك.
نَفضُ المسؤولين اللبنانيين أيديهم من معالجة أزمات بلدهم، وتأجيل أيّ مساعي للحلّ برغم الأزمات الخانقة التي يعاني منها لبنان والمخاطر التي تهدّده بانهيار وشيك، كانت تستدعي منهم ـ خصوصاً أنّ أغلب هذه الأزمات هي من صنع ايديهم ـ إستنفار أنفسهم وجهودهم وطاقاتهم، ووصل الليل بالنّهار، بهدف إيجاد حلول عاجلة لأزمات إقتصادية ومعيشية وإجتماعية تهدّد بزوال البلد عن الخارطة، مثلما حذّر أكثر من مسؤول دولي، وتحديداً فرنسي، من ذلك.
لكن بدلاً من ذلك أدار المسؤولون ظهورهم لأزمات بلدهم بشكل مقيت، وغادروه إلى الخارج لقضاء عطلة الأعياد مع عائلاتهم، أو أقفلوا أبواب قصورهم وهواتفهم في وجه مواطنيهم إذا بقوا في لبنان، تاركين السّواد الأعظم من اللبنانيين يغرقون في جحيم من الأزمات التي يعجزون عن مواجهتها أو معالجتها على حدّ سواء.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك أنّ أغلب دول العالم تقريباً قد أقفلت حدودها، البرّيّة والبحرية والجوّية في وجه أيّ طائرة أو سفينة أو سيارة أو أيّ زائر من بريطانيا، بعد أن تفشّت فيها مؤخراً السلالة الجديدة من فيروس كورونا، وأثارت الرّعب في العالم كلّه، إلا لبنان الذي بقي مطاره مفتوحاً أمام الطائرات الآتية من بريطانيا، وكأنّه ليس هناك أمراً خطيراً يستدعي إتخاذ إجراء إحتياطي ما لدرء المخاطر.