أكثر من نسبة 70% من اللبنانيين باتوا فقراء، بسبب عدم توصّل الأفرقاء السياسيين الى التوافق على تشكيل حكومة إختصاصيين، فـ”الحلّ لدينا يبدأ بحكومة منتجة لديها مصداقية وقادرة على تنفيذ الإصلاحات واستعادة ثقة اللبنانيين بالدرجة الأولى والمجتمع العربي بالدرجة الثانية، ثم حيازة ثقة المجتمع الدولي”، يوضح البعاصيري رداً على الحلول الممكن طرحها لمرض أزمتنا المالية والإقتصادية العضال. ويضيف “وإلا سنشهد أياماً صعبة جداً على الصعد الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأمنية”. معرباً عن خشيته من “الوصول الى سيناريو التفلّت الأمني وبعده الـTotal collapse أو الإنهيار الشامل والفوضى العارمة”.
وإذ يشدّد على ضرورة أن “يعود لبنان الى محيطه العربي ونقطة على السطر”، لفت الى “أهمية نزع رداء حالة النكران التي يعيشها الأفرقاء السياسيون وتجاهلهم لما يدور في محيطهم، فهم غير قادرين على تقدير مخاطر الأفعال التي يقومون بها، والله يساعد الشعب اللبناني وخصوصاً بعد انفجار 4 آب الذي أوصل البلد واللبنانيين الى حالة يأس للأسف”.
وفي السياق، يصف البعاصيري إنفجار المرفأ “بالكارثة الوطنية، فهي كارثة إنسانية بالدرجة الأولى وإقتصادية بالدرجة الثانية، من هنا يجب إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار. فالخسائر التي لحقت بسكان المنطقة المحيطة بالمرفأ لا تعوّض، وسيترتّب عليهم نتائج إجتماعية برزت بالإقبال على الهجرة من البلاد وخصوصاً الشباب”.
ويتابع: “كل جهود الدولة والقطاع الخاص يجب أن تنصبّ على التخفيف من آثار الكارثة الإجتماعية على أهالي الضحايا، فالمصيبة كبيرة تخطّت كل المقاييس والتحقيق يجب أن يكون دولياً وليس محلياً بسبب عدم استقلالية القضاء وتعرض القضاة لضغوطات قبيل اتخاذ أي قرار”. وبرأيه كان “بالحري على المحقق العدلي القاضي فادي صوّان أن يشفي غليل المواطنين وأهالي الضحايا بالإجابة على الأسئلة التالية: من صاحب الباخرة؟ كيف دخلت الى لبنان؟، من أغرق الباخرة ومن حرسها 7 سنوات… من هنا تعتبر خطوة صوّان، بتوجيه اصابع الإتهام نحو رئيس الوزراء وبعض الوزراء، ناقصة”.
حلول رفع الدعم
وأمام الجدل الدائر حول إمكانية الإقدام على رفع الدعم وبدء العمل بالبطاقة التموينية أو التمويلية أو الدرع الإجتماعي…، أو خفض الإحتياطي الإلزامي، يعتبر البعاصيري أن “آلية الدعم التي طبّقت والتي شملت 300 سلعة كانت غير موفّقة، اذ لم يكن لديها أي جدوى إقتصادية، واستنزفت الإحتياطي النقدي الأجنبي لمصرف لبنان. فالدعم يجب أن يتوجّه الى الأشخاص المحتاجين الذين هم دون خط الفقر، وليس كما حصل حيث استفاد منه المتمكّن والثري والمهربون بالتوازي مع الفقير، وكما رأينا تمّ تهريب البضائع المدعومة ليس الى سوريا فحسب بل الى دول أخرى”.
وحول المسؤول عن هدر إحتياطي المركزي لدعم تلك السلع؟ أكد أن “هذا الأمر من مسؤولية الحكومة الممثّلة بوزارة الإقتصاد وليس مصرف لبنان”. ويضيف: “لذلك تكمن أولوية الأولويات توفير الأمن أو الأمان الإجتماعي للطبقة الفقيرة، من خلال بطاقات على غرار الولايات المتحدة التي تعتمد بطاقة Food Stamps للفقراء والمحتاجين، فيحصل حاملها على حسم مباشر عند شراء السلع بنسبة 50% على سبيل المثال”. وبدا معارضاً لخفض الإحتياطي الإلزامي اذ قال: “أنا ضدّ تلك الخطوة لأنه لا يجدر المسّ بالإحتياطي النقدي الأجنبي لدى مصرف لبنان فنحن بأمس الحاجة للعملة الأجنبية وحاكم “المركزي” حريص كل الحرص عليه، اذ ليس لدينا ترف صرفه لتوفير الدعم”.
تنظيم المصارف
وفي ما يتعلق باستحقاق زيادة رأس مال المصارف الذي تنتهي مهلته في نهاية شباط، وإيداع نسبة 3% من ودائعها بالدولار في البنوك المراسلة، وانطلاق حملة إعادة تنظيم القطاع كما أعلن سابقاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يقول البعاصيري إن “زيادة رأس المال على ارصدة المصارف التي كانت موجودة في تاريخ 31/12/2018، لا تحلّ المشكلة لأن أموال الناس تآكلت. ولكن تطبيق التعميم رقم 154 من قبل بعض البنوك، هو خطوة جيدة خصوصاً إذا كان بمواكبة حكومة جديدة وذلك من دون تحقيق أي خسارة للمودعين تماماً كما حصل في التسعينات حيث تمت إعادة هيكلة أكثر من 20 مصرف متعثّر”.
ولكن في ما يتعلق بإمكانية إعادة أعضاء مجالس الإدارة وكبار مساهمي الإدارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء البنوك من الأشخاص المعرضين سياسياً PEPs، نسبة 30% من الأموال التي حوّلت الى الخارج، يرى إن “استعادتها أمر مهم لزيادة رؤوس أموال المصارف. أما البنوك المخالفة أو غير الممتثلة لزيادة رأس المال “فسيضع “المركزي” يده عليها ويتملّك اسهمها مجاناً. والهدف من ذلك الإجراء تأمين أموال المودعين بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانية يُتخذ قرار تصفيتها أو إعادة هيكلتها”.
ويصف البعاصيري الفعل الإستنسابي الذي قام به بعض المصارف من خلال تحويلات الودائع الى الخارج خصوصاً بعد 17 تشرين الأول خلال العام الماضي، “بالعمل الجزائي والجرمي والمخالف للدستور، ويعتبر ذلك السبب الأساسي الذي أدى الى انعدام ثقة العالم والمودعين بالقطاع المصرفي اللبناني”.
سوء إدارة الحكم
ويضيف: “لا يجب ان يغيب عن بالنا أمر واحد هو أن الأزمة التي ندور في رحابها لم تتسبب بها المصارف وانما الإنهيار الإقتصادي الذي يعود أساسه الى سوء ادارة الحكم في لبنان، والحوكمة والفساد المستشري والصفقات والمحاصصة، باختصار النظام بأكمله. ولكن يُلقى على بعض المصارف مسؤولية الإستنسابية في تحويل ودائع بعض زبائنها او حتى مدرائها ومخالفة القوانين وحتى الدستور، فكان ذلك الأداء دون المستوى المطلوب على الإطلاق”. وهنا يربط هذا التصرف الجنائي واللادستوري بعدم إقرار قانون الكابيتال كونترول لغاية اليوم منذ بدء ثورة 17 تشرين، الذي وصفه “بالخطأ بل الخطيئة “.
ولكل تلك الأسباب تأتي مناشدته بـ”حكومة شرفاء نزهاء اقوياء غير متحيّزين لديهم مهمة خدمة لبنان واستعادة الثقة ومكانة لبنان في محيطه العربي الذي ابتعدنا عنه والذي كان يساعد لبنان في الأزمات”. وأكّد على دور تحويلات المغتربين اللبنانيين المتواجدين في كل دول العالم وخصوصاً في الدول العربية، اذ “يوجد نحو 500 ألف لبناني في الخليج العربي هؤلاء كانوا يلعبون دوراً كبيراً في تحريك العجلة الإقتصادية” كما أكّد. وسأل: “من كان يودع الأموال في المصارف المتواجدة في لبنان؟”. يجيب: “المملكة العربية السعودية، قطر، الكويت، عمان، البحرين ودبي”.
إستناداً الى تلك الوقائع يؤكّد البعاصيري على أن “الدول العربية وصندوق النقد هما اللذان سيساعدان لبنان، وكانت السعودية المعين الأكبر للبنان، لذلك إن الحلّ الإقتصادي سهل”.
وحول عدد المصارف الذي سيصل اليه قطاع البنوك لفترة ما بعد استحقاق شباط حيث تنتهي المهلة التي أعطيت للمصارف لتسوية أوضاعها وزيادة سيولتها، قال “الشيء الثابت أن لبنان لديه تخمة مصرفية وعدد البنوك يفوق ما تتحمّله البلاد، من هنا فإن العدد سيتقلّص حتماً والمصارف غير القابلة للحياة يجب ان تختفي”.
قيمة الودائع الفعلية
وفي ظلّ الحديث عن المصارف هل ودائع الناس لا تزال موجودة نقداً؟
“طبعاً الودائع الفعلية المسجلة في المصارف لا يمكن أن تحوّل الى كاش” يوضح البعاصيري، لافتاً الى أنه “لذلك اصدر حاكم مصرف لبنان التعميم رقم 154 والذي أوجب على المصارف أن تضع نسبة 3% من ودائعها بالعملة الأجنبية لدى المصارف المراسلة في نهاية شباط”.
ويؤكّد أن “الودائع على الدفاتر موجودة ولكن ليست بقيمتها الحقيقية. فوديعة بقيمة 100 ألف دولار موجودة دفترياً، لكن عملياً على الأرض هي غير موجودة وتبلغ قيمتها اليوم بأحسن الأحوال نسبة 32% من اصل المبلغ المدوّن على الدفاتر”.
يبقى إحتياطي الذهب الذي لدى مصرف لبنان، محطّ تساؤل حول كيفية الإستفادة منه خصوصاً وأنه بدأت عملية تعداده. حول ذلك يعود البعاصيري الى أوائل التسعينات الى أيام الرئيس حسين الحسيني حيث منع حينها التصرّف بالذهب. مشدّداً على أن “الذهب في امان باعتبار أن الثلث خارج لبنان والثلثين في عهدة مصرف لبنان، ولا يوجد أدنى شكّ بذلك، من هنا في وضعنا الراهن لا يجوز المسّ به. ولكن في ما بعد وفي مرحلة لاحقة وعند بدء العمل ببرنامج كامل مع صندوق النقد الدولي والإستقرار السياسي ودخولنا في مرحلة الإعمار، يمكن أن يشكّل الذهب مصدراً مهمّاً للبنان يساعد في إعمار البلاد، واستخدامه عن طريق الإيجار leasing على سبيل المثال”.
اذاً تعدّدت الفرضيات والبرامج الإجتماعية والإقتصادية، ولكن الحلّ يبقى واحداً تشكيل حكومة غير طائفية ومحاصصية تضع نصب أعينها كيفية إنقاذ البلد كما تقتضي المصلحة العامة.
إستعادة الأموال المنهوبة
في ما يتعلق باستعادة الأموال المنهوبة أي المسروقة للأعوام الـ30 الأخيرة، فقدّرها البعاصيري بنحو 200 مليار دولار، لافتاً الى أنه «في حال تمّ تشكيل حكومة تتمتّع بالمصداقية والجدية في عملها، يجب أن تضع نصب أعينها التأسيس للبنان الجديد وذلك من خلال التعاون مع المجتمع الدولي عندها يمكنها استعادت ولو جزء من تلك الأموال المنهوبة، فتنتفي الحاجة الى استعطاء المساعدات من هنا وهناك». أما آلية استعادة الأموال المنهوبة فتتمّ عبر الـForensic auditors، وللغاية يشرح «يتمّ تخصيص مبلغ 50 أو 100 مليون دولار، وهي ليس بالرقم الضخم، اذا ما استطعنا تحصيل مليارات الدولارات، فهذا يعتبر استثماراً مربحاً للبنان». معتبراً أنه «لا امل يُرجى إذا عدنا الى الطبقة التي حكمت لبنان، فعبثاً نحاول إجراء أي إصلاح».