يرتبط لبنان إرتباطاً وثيقاً بالكرسي الرسولي، إذ إن وجود العامل الماروني والمسيحي يجعل من هذا البلد محطّ أنظار الفاتيكان والعالم الغربي حتى لو كانت الدول الغربية تفكّر بمصالحها قبل مصالح شعوب دول العالم الثالث.
في أيار من العام 1997، كانت زيارة الأمل والرجاء إلى لبنان، إنه البابا يوحنا بولس الثاني يحطّ في أرض الأرز ليمنح جرعة دعم في زمن الإحباط المسيحي، لم تكن تلك الزيارة ذات أبعاد دينية فقط، بل كانت زيارة لرفع معنويات المسيحيين واللبنانيين بعدما كان القادة المسيحيون إما في السجن أو في المنفى، ويقود البطريرك الماروني آنذاك مار نصرالله بطرس صفير دفة القيادة ويواجه إحباط شعبه والإحتلال السوري.
كرّس البابا القديس لبنان بلد الرسالة، لكن الأهم انه أعطى جرعة أمل ودعم لشعب ظنّ أن دوره ووجوده في الشرق إنتهى وأن بلده أصبح محافظة أُلحقت بسوريا الأسد، لكن الظروف السياسية ما لبثت أن تبدّلت وانقلب المشهد رأساً على عقب بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وعودة القادة المسيحيين إلى الساحة، فكانت الزيارة البابوية الثانية في أيلول من العام 2012، حيث قصد البابا بنديكتوس السادس عشر لبنان لكنها لم تكن بعمق زيارة البابا يوحنا بولس الثاني لأن الوضع المسيحي عاد واستقر، وكان هناك بنيان دولة على رغم بداية الإهتزاز بسبب إندلاع الحرب السورية.
اليوم لبنان على موعد مع زيارة البابا فرنسيس المرتقبة والذي أعلن عنها بذاته، معللاً ذلك بسبب خطورة الوضع في لبنان وداعياً المجتمع الدولي إلى العمل من أجل إنقاذ الوضع، وتضع الكنيسة الزيارة المرتقبة في إطار تجديد قداسة البابا وقوفه إلى جانب الشعب اللبناني وعدم ترك لبنان ينهار ويسقط خصوصاً أنه يُشكّل آخر نقطة جغرافية يعيش فيها المسيحيون في الشرق بحريّة وكرامة.
ترفض الكنيسة الإفصاح عن موعد الزيارة البابوية وتترك هذا الأمر للفاتيكان نفسه لكي يعلنه، لكنها ترى في هذه الخطوة عند حصولها بارقة أمل بأن لبنان غير متروك لقدره وبأنه محضون دولياً على رغم أن حكّامه لا يصغون إلى صوت الضمير والشعب.
عندما زار البابا يوحنا بولس الثاني لبنان كان البلد يعيش زمن الإحباط المسيحي، وعندما سيزوره البابا فرنسيس فان المسيحيين واللبنانيين جميعاً يعيشون الإحباط بسبب المافيا الحاكمة التي تمعن تعطيلاً وسرقةً وفساداً، وما سرّع في زيارة البابا حسب أوساط الكنيسة هو إنتفاضة الشعب اللبناني في 17 تشرين من العام الماضي من ثمّ حصول الإنهيار المالي والإقتصادي والذي تلاه إنفجار مرفأ بيروت المدمّر والذي دمّر أجزاء من العاصمة بيروت، والأهمّ من هذا كلّه إستمرار المنظومة الحاكمة بالقضاء على أساسات الدولة وإذلال الشعب وعدم تلبية مطالبه الإنسانية المحقّة.
يحمل الفاتيكان غضباً كبيراً على القادة السياسيين اللبنانيين ويعتبرهم المسؤولين عما يعيشه الشعب من مآسٍ وهو يؤيّد ثورة شباب لبنان ضدّ هؤلاء الحكّام، لذلك فان الزيارة ترتدي الطابع الشعبي وليس الرسمي خصوصاً ان البابا فرنسيس لا يحبّذ التشريفات والسجّاد الأحمر، لذلك فان غضب البابا واضح على السياسيين وقد عبّرت عنه رسالة البابا إلى اللبنانيين والتي تلاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي منذ أيام.
يُنسّق الفاتيكان بشكل أساسي مع بكركي ويتفادى بشكل كبير التعاطي مع الحكّام، لذلك فان الكرسي الرسولي قرّر تحريك الماء الراكدة ونزع غطاء إضافي عن هؤلاء الحكّام، والإصغاء إلى صوت الشعب وحده والبحث عن كيفية مساعدته مع المجتمع الدولي للخروج من أزمته وبلسمة جراحه.