تشخص عيون العالم الى الربع الساعة الأخير من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب “إيرانياً”، وسط توجّس من إحتمال “قويّ” أن يسلّم خلفه جو بايدن قنبلة متفجّرة، كانت موقوتة لفترة طويلة في وجه العالم بوحي إسرائيلي يختبئ في ظلّه، من شأنها أن تُعدّل قواعد الإشتباك العالمي.
إيران لن تشمّر عن سواعد أذرعها الإقليمية حتّى الساعة، وتحديداً “حزب الله” في لبنان الذي يبثّ أجواء “تهدوية تنفيسية” تعكس رسائل إيرانية وداخلية، أنّه ليس في وارد الحرب حتى لو فرضت عليه على الجبهة الحدودية مع إسرائيل، غير أنّ الأمور لا تعرف خواتيمها في هذه المعمعة.
في سِباق مع الوقت، وقبل استلام جو بايدن موقع الرئاسة الأميركية في البيت الأبيض، تبدو اسرائيل متحفّزة لمواجهة ما مع ايران، وهذا ما هو ظاهر من خلال الضربات الإسرائيلية المستمرّة لها في مواقع مختلفة، ولا سيّما في سوريا، الى عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة والذي كان من “اقوى أعمال الموساد في حربه على المشروع النووي الايراني”، كما وصفته صحف غربية عدّة.
الموقف الإسرائيلي التصعيدي يقابله موقف ايراني يتفاوت توصيفه بين تفسيرين:
1 – عدم رغبة ايران بالإنجرار الى حرب مع اسرائيل لأسباب عدّة، ومنها رهان طهران على وصول بايدن الى مركز القرار، وفتح الباب أمام عودة واشنطن الى الإتّفاق النووي، وبالتالي تسعى إيران لعدم القيام بأي ردّ عسكري تفادياً لخلق وقائع جديدة تفرض استمرار سياسة دونالد ترامب تجاه ايران على الرئيس الجديد.
2 – وبين تفسير آخر يذهب نحو عدم قدرة ايران على خوض مواجهة مفتوحة، طالما أنّ أيّ ردّ من أذرعها سوف يؤدّي الى تورّط مباشر لها في الحرب، وهذا ما تتفاداه أكثر في ظلّ الحصار الذي تعانيه، والأزمات المالية والإقتصادية التي تسبّب بها.
ويمكن ملاحظة الإرباك الإيراني في العراق، مع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال رمز تمدّدها الخارجي الجنرال قاسم سليماني في بداية العام الجاري، فهي تطلق إشارات سياسية بأنّها لا تحبّذ تصعيد الموقف ضدّ الوجود الأميركي في العراق، وتتنصّل من أي عمل عدائي ضدّ هذه القوات.
وكان المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي الجنرال هايدي زيلبرمان كشف قبل يومين، بأنّ إسرائيل تراقب تحرّكات طهران في المنطقة، وتتوقّع أن يأتي أي هجوم إيراني محتمل من العراق واليمن.
وهي إشارة إسرائيلية تعكس استعداداً لنقل المواجهة مع ايران الى “الدائرة الثانية لإيران”، أي العراق واليمن، بحسب وصف زيلبرمان الذي اعتبر أنّ الدائرة الأولى هي لبنان وسوريا. وهذا الموقف الإسرائيلي يستدرج في المقابل مواجهة، قد تطاول دول الخليج، التي تتفادى مثل هذه المواجهة طالما انّها غير حاسمة، فيما المواقف التي صدرت أخيراً من الرياض تشير الى رغبة سعودية وخليجية على وجه العموم، بالمشاركة في أي مفاوضات مقبلة بين طهران ودول الإتّفاق النووي.
في هذا الوقت، لا تستبعد مصادر دبلوماسية غربية في بيروت أن يعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى القيام بمفاجآت أمنية او عسكرية في لبنان وسوريا. ففي اعتقادها، أنّ نتنياهو الذي يصارع من أجل البقاء على رأس السلطة، لن يألو جهداً في سبيل إعادة خلط الأوراق الداخلية من خلال اللعب على حافة الهاوية في لبنان وسوريا، من دون أن يستبعد وقوع حرب سيسعى لأن يظهر بأنّه ليس هو من بدأها.
التطورات الداخلية في لبنان التي تعكس عدم الوصول الى حلول سياسية لتشكيل الحكومة، دفعت “حزب الله” من خلال رسالة طمأنة وجّهها رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين الى اللبنانيين، بأنّه ليس في وارد الدخول في حرب وإن كان مستعدّاً لها، ولا يريد تغييراً في المعادلة الداخلية، إذ قال في حديث اذاعي قبل يومين: “إنّ احتمال الحرب قائم من باب تحمّل المسؤولية، وليس من باب الرعب ودبّ الذعر في نفوس الناس”. وقال في رسالة طمأنة الى المتخوّفين من تغيير النظام اللبناني: “إن الخصوصيات اللبنانية في الشأن الداخلي يجب أن تؤخذ كما هي”، وأضاف: “نحن نعرف حجمنا وواقعنا، ولا نتحرّك إلا ضمن برنامج يخدم الوطن”.
ثلاثة أسابيع حرجة بالنسبة لإيران ولنتنياهو، الجهد الإسرائيلي يتركّز على منع العودة الى الإتّفاق النووي، وهو جهد يجعل من إيران أكثر قرباً من واشنطن، وهو تقرّب يمكن ملاحظته من خلال السعي الى حسن استقبال بايدن مع ما يعنيه ذلك من إغراءات تقدّمها ايران لواشنطن في سبيل العودة الى الإتّفاق النووي، ذلك أنّ القيادة الايرانية اكثر استعداداً للإقتراب من القيادة الأميركية الجديدة طالما أنّ ادارة بايدن لن تتماهى مع سياسة نتنياهو حيال ايران، وهذا الموقف الإيراني ينطوي على استعداد لفتح آفاق جديدة مع واشنطن، كان الرئيس السابق باراك اوباما بشّر بها، ونائبه الذي صار رئيساً ليس بعيداً من هذه الرؤية. يبقى أنّ نتنياهو هو الأكثر اندفاعاً نحو تفجير هذا التقارب الذي لن تهدّده الّا حرب، إيران يجب أن تكون في صلبها ورأس حربتها في الدائرة الأولى أو الدائرة الثانية. لعبة عضّ الأصابع على أشدّها، والمواجهة العسكرية أكثر من مجرد “احتمال”.