طرحت صحيفة (رأي اليوم) أربعة أهداف وراء إعلان الرئيس التركي رجب أردوغان بشكل علني رغبته في “علاقات أفضل” مع إسرائيل، التي لطالما وجه انتقادات حادة لها، معتبرة أنه بذلك “قد يفقد ما تبقى له من أصدقاء، ودون أن يكسب الأعداء”.
مقال الصحيفة ذكر أن هذه النوايا التطبيعية العلنية التي عبر عنها الرئيس أردوغان يوم أمس الأول كان لها وقع “الصدمة” على حركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وخاصة حركة “الإخوان المسلمين” التي تعتبره “القدوة” والإمام، والحائط المتين في مواجهة خطوات التطبيع المتناسلة في العالم العربي، وما عزز هذا الانطباع الموقف الرافض القوي الذي اتخذه الرئيس التركي ضد الحكومات العربية المطبعة في الإمارات والبحرين والسودان، وهدد بسحب سفيره من أبو ظبي احتجاجا…
الصحيفة قالت إن هناك العديد من التكهنات حول الأسباب التي دفعت الرئيس أردوغان إلى كسر “محظوراته” السابقة، والتوجه لتعزيز العلاقات مع دولة كان يصفها حتى الأمس القريب بأنها “مارقة”، و”مجرمة” تقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتجوعهم حتى الموت، ويتبنى حركة “المقاومة الإسلامية “حماس” سياسيا، ويفتح أبواب بلاده على مصراعيها أمام قيادتها، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولا: الشراكة الاستراتيجية المتسارعة والمعمقة بين الرئيس إلهام علييف، رئيس أذربيجان، وحليفه رجب طيب أردوغان، وهي الشراكة التي تعززت أثناء حرب إقليم “قرة باخ” حيث أرسل أردوغان قوات ومعدات عسكرية ثقيلة وطائرات مسيرة (بيرقدار) لدعم حليفه علييف الذي يقيم علاقات تحالفية وثيقة جدا مع “إسرائيل” في الوقت نفسه التي دعمته في الحرب نفسها، ويتردد أن الرئيس علييف هو الذي قام بدور الوساطة بين أردوغان ونتنياهو لتطبيع العلاقات.
ثانيا: الرئيس أردوغان يواجه عقوبات اقتصادية مزدوجة: من أمريكا على أرضية شرائه منظومات صواريخ “إس 400” الروسية، ومن الاتحاد الأوروبي الذي يدعم اليونان وقبرص في النزاع الحدودي المائي المتعلق بمخزونات الغاز والنفط، ويعتقد الرئيس التركي أن اللوبي اليهودي في أمريكا وأوروبا يمكن أن يساعده في منع، أو تخفيف، هذه العقوبات.
ثالثا: بخسارة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية الأخيرة، وفوز جو بايدن خصمه الذي يدعم المتمردين الأكراد وقضيتهم، بات الرئيس أردوغان بحاجة إلى الحليف الإسرائيلي ونفوذه للوقوف إلى جانبه في أي صدام قادم مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي يتوقع أن تدعم خصومه، وخاصة الداعية فتح الله غولن، المتهمة حركته بالوقوف خلف الانقلاب العسكري الأخير-دون أدلة واضحة-.
رابعا: في ظل تواتر عملية تطبيع حكومات عربية مع إسرائيل، وخاصة في الخليج، قرر الرئيس أردوغان استغلال هذه الفرصة للانضمام إلى هذه المسيرة، في الإقدام على هذه الخطوة، ومحاولة تطبيع علاقاته ليس مع إسرائيل فقط، وإنما مع بعض الدول العربية والخليجية الأخرى مثل السعودية ومصر، وكان لافتا أنه لم ينتقد، ولو بكلمة واحدة، خطوة التطبيع المغربية الأخيرة، رغم أنه لا يكن الكثير من الود للمغرب، ومحور ارتكاز علاقاته مع دول الاتحاد المغاربي هي الجزائر، وبدرجة أقل تونس.
تبادل عودة السفراء، وزيادة حجم التبادل التجاري، وتعميق العلاقات التركية الإسرائيلية سيكون عنوان المرحلة المقبلة، ولكن هل سيؤدي هذا “الانقلاب” إلى حدوث تغيير في سياسة “تركيا أردوغان” تجاه حلفائه، وخاصة حركات الإسلام السياسي، والإخوان المسلمين، وحركة “حماس” تحديدا؟
اللافت أن حركة “حماس” التي انتقدت الحكومات العربية المطبعة بشراسة، وآخرها الحكومة المغربية، لم تعلق لو بكلمة واحدة على إعلان النوايا التركية التطبيعية وعلى لسان الرئيس أردوغان نفسه، فهل هذا يعني أنها لم تفاجأ بالخطوة التطبيعية التركية، أو كانت على علم مسبق بها؟
وهناك سؤال آخر هو: هل يكون هذا التطبيع التركي الإسرائيلي مقدمة، أو غطاء، لتطبيع قطري إسرائيلي أيضا باعتبار أن قطر أكبر حلفاء أردوغان في المنطقة؟
لا نملك إجابات محددة على هذه التساؤلات، ولكننا لا نستبعد أن يؤدي هذا التطبيع التركي الرسمي المتسارع مع إسرائيل إلى اهتزاز مكانة الرئيس أردوغان في أوساط حلفائه الإسلاميين أو معظمهم، وربما حدوث انقسامات في حركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي، والشرق أوسطية تحديدا، وظهور تيارين، الأول يستمر في البقاء تحت المظلة الأردوغانية بذريعة “البراغماتية”، والثاني الانشقاق عن المرجعية التركية، وتبني استراتيجيات متشددة، وهذا ما يذكرنا بالسيناريو المماثل الذي حدث في مصر بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد بطريقة أو بأخرى، حيث انشقت حركات عديدة مثل الجهاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية المقاتلة.
ربما أراد الرئيس أردوغان من خلال هذه الخطوة التطبيعية مع “إسرائيل” التي تتناقض مع كل أدبياته ومعتقداته المعلنة، أن يكسر عزلته الإقليمية والدولية، ولكنه أقدم على الخطوة الخطأ في رأينا، التي قد يكون هو شخصيا أكبر ضحاياها لأنه قد يفقد ما تبقى له من أصدقاء، ودون أن يكسب الأعداء، وما أكثرهم، ولا نعتقد أن إسرائيل ولوبياتها ستغفر له، وتتجاوز عداءه، وإخراجه من أزماته الحالية بالتالي، وستحاول ابتزازه بأقصى قدر ممكن للحصول على ثمن باهظ في المقابل.
المصدر: راي اليوم