دخل المشهد السياسي المتصل بأزمة تأليف الحكومة في حالة شلل كاملة لا يتوقع لها ان تتحرك قبل مطلع السنة الجديدة لا سيما بعد ان غادر الرئيس المكلف تشكيلها سعد الحريري لبنان امس لتمضية عطلة رأس السنة مع عائلته في دولة الإمارات العربية المتحدة على ان يعود بعد ذلك الى بيروت. وبصرف النظر عن الوجهة، فإن المغادرة تعني ان ملف تشكيل الحكومة، دخل في إجازة أقله حتى المطلع النشاطي للسنة المقبلة 2021، الاثنين المقبل في 4 ك2، من دون معرفة المسار الحكومي. وشكّل الفشل في امكانية التوصل الى حكومة قبل الاعياد محط استياء في بكركي بعد المبادرة التي أطلقها سيدها وباءت بالفشل.
الحكومة الى ما بعد رأس السنة
ولفتت أوساط معنية بمأزق التأليف لـ”النهار” الى ان الأسبوعين الاولين من السنة الجديدة سيكونان على درجة من الأهمية بحيث يشكلان الاثبات الحاسم على تقاطع المصالح وتوزيع الأدوار بين الفريق الرئاسي في بعبدا وحليفه “حزب الله” في التمادي بتعطيل تأليف الحكومة ومنع ولادتها الا في التوقيت الإقليمي والدولي الملائم للمحور الداعم لـ”حزب الله ” من جهة ووفق المعايير التي يسعى العهد الى فرضها على الحريري وتطويعه للقبول بحكومته من جهة أخرى.
ووفقاً للمعلومات، فإن المشهد بات قاتماً، وان فريق بعبدا ادخل عملية التأليف في مأزق التعطيل العام، ربما لكل مؤسسات الدولة، في ظل عدم تجاوب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من توسيع عملية تصريف الأعمال، أو عقد أي جلسة لمجلس الوزراء المستقيل.
وعلمت “اللواء” ان بقاء الوضع طويلاً في التعطيل، قد يحمل الرئيس المكلف على كشف عملية الاتصالات، ودور فريق المستشارين، ورئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل.
وكشفت مصادر المعلومات لـ”اللواء” ان فريق بعبدا طالب في اللقاء 14 بالوزارات التالية: الطاقة، الاتصالات، الداخلية، الدفاع، العدلية، أي كل الوزارات الحسّاسة في مرحلة فتح الملفات أو تجنّب فتح ملفات أخرى.
وهذا الأمر، الذي لا يمكن لأي رئيس حكومة ان يسلّم به، أو يقبله..
وعليه، ثمة ثابتة وحيدة هي ان الوضع اللبناني مرتبط بالتطورات الخارجية، ولذلك ربما فضّل الرئيس الحريري السفر وتأجيل اللقاء المقبل مع رئيس الجمهورية ميشال عون الى ما بعد رأس السنة الجديدة، ولم يُحدّد موعداً للقاء بين عيدي الميلاد ورأس السنة، مع إن مدة الاسبوع بين العيدين هي مهلة كافية للتشاور مجدداً ومعالجة النقاط العالقة بينهما حول بعض الحقائب وبعض الاسماء، التي لم تُبحث تفصيلياً بعد وتم تثبيت العدد القليل منها وليس كل التشكيلة.
ولكن اوساطاً نيابية في تيار المستقبل تقول لـ”اللواء” ان الرئيس الحريري لم يلمس اي تقدم في تذليل العقبات امام تشكيل الحكومة، وان المواقف ما تزال على حالها، لذلك فضّل إعطاء فرصة أطول لسعاة الخير، من البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قالت اوساطه انه لن ييأس وسيحاول مجدداً تقريب وجهات النظر، الى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.
في المقابل، تقول اوساط رسمية مطّلعة على لقاءات الرئيسين عون والحريري، ان الاخير متمسّك بحقيبة العدل ولن يتنازل عنها مهما كانت الظروف والاسباب، ويقترح لها السيدة لبنى عمر مسقاوي، فيما طلب عون تسمية وزير الداخلية بالمقابل، واقترح للحقيبة اسم المحامي عادل يمين، لكن الحريري رفض ايضاً ان تكون الداخلية من حصة عون مع حقيبة الدفاع.عدا ذلك لم تتأكد رسمياً صحة المعلومات التي تم تداولها قبل يومين عن اسماء جديدة إقترحها عون لحقيبتي الاعلام والثقافة، ولا ما تردد عن اسماء سبق واقترحها لحقيبة الدفاع. كما لم يتأكد طرح اسم سليم ميشال اده لأنه حسب ما تردد رفض التوزير، بسبب إنشغالاته الخاصة في الشركة التي يملكها مع شقيقه. وعلى هذه الحال بقي تبادل الاسماء محصوراً بنحو ستة فقط شبه متفق عليهم، بينما كان التركيز في اللقاءات بين الرئيسين على معالجة عقدة توزيع الحقائب على الطوائف.
إلى ذلك أكدت أوساط مطلعة على موقف بعبدا لـ”اللواء” أن ثوابت التأليف هي التوازن والمعايير الواحدة ولا تراجع عنها وهي الأساس، واضحى الجميع على دراية بها مؤكدة ترحيبها بأي مسعى حكومي لأن الهدف هو الإسراع في تأليف الحكومة وإخراج البلد من أزمته إنما التشكيلة الحكومية يجب أن تراعي هذه الاصول قبل أي أمر آخر.
بكركي على الخط
وسط هذه الأجواء، ابرزت مصادر سياسية مطلعة وثيقة الصلة ببكركي لـ”النهار” الأهمية الكبيرة لسلسلة المواقف المتعاقبة التي انبرى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى اطلاقها بدأب وبوتيرة شبه يومية غداة اخفاق المسعى البطريركي مع قصر بعبدا وبيت الوسط لتأليف الحكومة قبل عيد الميلاد مشيرة الى ان ثمة قرارا استراتيجيا كبيرا متخذا في بكركي لعدم التهاون اطلاقا امام ما تراه مخططا مكشوفا لاعادة البلاد الى حقبات الفراغ وهو الامر الذي لن تسكت عنه بكركي الى حين تأليف الحكومة. ولفتت المصادر نفسها الى ان حملة البطريرك الراعي التي انطلقت مع رسالة الميلاد ومضت تصاعدية في عظة يوم العيد الذي غاب فيه رئيس الجمهورية عن قداس الميلاد في بكركي للمرة الأولى بسبب جائحة كورونا لم تقف عند مناسبة الميلاد ابدا اذ تعمد البطريرك الراعي امس تحديدا ان يتسم موقفه الجديد بسمة ملامسة الخط الأحمر الإقليمي الذي يبدو واضحا انه يشكل جانبا خطيرا من جوانب تعطيل تأليف الحكومة . واما العامل الإبرز الآخر الذي تحدثت عنه هذه المصادر فيتمثل في تأكيدها ان بكركي تحظى في مواجهتها المتصاعدة لتعطيل تأليف الحكومة الانقاذية للبنان وإعادة لملمة الأمور قبل الانهيارات الكبيرة المخيفة بدعم فاتيكاني قوي، كانت الترجمة العملية والمعنوية والرمزية الكبيرة له في الرسالة الميلادية التي خَص بها البابا فرنسيس جميع أبناء الشعب اللبناني من كل طوائفه ومناطقه عبر البطريرك الراعي شخصيا الذي تلا الرسالة قبل يوم من إلقاء البابا عظته الميلادية متضمنة الشق المتعلق بلبنان. وأبرزت هذه المبادرة المهمة كما تضيف المصادر الدعم الجدي الذي يمنحه الفاتيكان لموقف بكركي في الضغط على الطبقة السياسية اللبنانية لاستجابة المطالب الملحة للشعب اللبناني الذي يعيش أزمات وجودية وهو الامر الذي وجد له ترجمة بالغة الأهمية في مضمون رسالة البابا الى اللبنانيين بحيث أستعاد مقطعا حرفيا من رسالة للبطريرك المؤسس للبنان الكبير الياس الحويك يتضمن مفهومه للعمل السياسي ويوجه انتقادات الى الزعماء. واما البعد الأبرز في كل ما تقدم فهو في الاعلان المفاجئ للبابا فرنسيس عن اعتزامه زيارة لبنان في اقرب فرصة الامر الذي أضفى صدقية كاملة على مسعى البطريرك الماروني في هذا السياق بعدما كرر في زيارته الأخيرة للفاتيكان توجيه الدعوة الى البابا لزيارة لبنان .
تدخل فرنسي
وسط هذه الأجواء، تحدثت مصادر مواكبة للملف الحكومي لـ”نداء الوطن” عن ترقب “دخول فرنسي مباشر مطلع العام على خط الحقائب التي يدور الخلاف حولها بين عون والحريري”، ولم تستبعد أن يشهد الشهر المقبل “زيارات فرنسية إلى بيروت للضغط باتجاه حل هذا الخلاف، عبر طروحات تركز بشكل مباشر على حقيبة العدل عبر إلحاق التسميات المقترحة لتوليها، بالحقائب الوزارية الأخرى التي يجب أن تتولاها شخصيات اختصاصية غير محسوبة على أي جهة سياسية، لما لوزارة العدل من دور أساسي في المرحلة المقبلة، حيث ستكون أمامها استحقاقات تحتاج إلى تكريس مفهوم استقلالية القضاء في مهمات الإصلاح ومكافحة الفساد”.