خلدة تقطع رحمها السياسي

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

إنفجرَ غضب “مير خلدة”… قال متوجّهاً إلى الحلفاء: “اللي بيطلع منّي بطلع منّو”. عبارة تشير إلى إنبعاث النيران من فوهة “دار الامارة” تجاه “تشكيلة” من الحلفاء، هؤلاء المتهمين بأنهم “باعوا واشتروا بإسم الحلف”.

كان أول المساندين لكلام المير طلال أرسلان زميله اللدود رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهّاب. آزره بـ”لايك” درزي صرف على تغريدة “التهديد” تحمل نكهة الإعجاب والغضب ذاتها التي يقاسمه فيها الشعور ذاته من الحلفاء ومصابهم. سريعاً أخذت التغريدة حملاً أوسع، مع إنضمام شيخ عقل الطائفة ناصر الدين الغريب الحائز على تأييد نصف الدروز إلى المير ما أعطى إنطباعاً ان الغضب الارسلاني ما هو إلا تجسيداً لحالة سخط درزية.

منذ مدّة والأحوال بين خلدة والحلفاء “جافة”. يجلس المير في دارته مفضلاً الوحدة على “وصل الرحم السياسي”. هكذا تحول أبناء البطن السياسية الواحدة إلى “اخوة أعداء” نتيجة التباعد والتناقض في المصلحة السياسة. أمر لا يسأل عنه الواقع الذي أفرزه قانون الانتخاب الحالي الذي حول المجتمع الأهلي والسياسي إلى “مراعٍ طائفية” وحسب، بل جعل من الحلفاء عدّائين كلٌ نحو مصلحته الخاصة!

هي المرة الاولى التي يجنح فيها رئيس الحزب الديمقراطي إلى هذا السقف من الكلام. قبل فترة وجيزة، أي حين كان النقاش يدور حول طبيعة التمثيل الدرزي في الحكومة الحريرية الرابعة، حاولنا إستدراج مصادر خلدة إلى رد فعل حول ما كان يجري حينها. اكتفت يومذاك بلفت انتباهنا إلى أن “المير يُبرّد. يشاهد ويراقب وقد أعلن عن سقفه وهو ينتظر من الآخرين المبادرة. لكن موسم البرد سينتهي في النتيجة، وإن زمن الحرّ آتٍ”، وهو تلميح أدل على ما يحدث الآن.

عملياً، أجواء خلدة تفيد بالتالي: “المير، لا يطلب شيئاً لنفسه بل لطائفته. وعملاً بمبدأ وحدة المعايير وتوازنها يجدر إنصاف الدروز ايضاً، وهذا من واجب الحلفاء لطبيعة الحلف القائم، وإذا ما أرادوا عكس ذلك، فـ هنّي حرّين”.

يتولّد الخلاف مجدداً حول العقدة الدرزية من وراء “أسلوب الطعن والنفاق” الذي مورسَ بحق خلدة. القضية ببساطة قضية عدالة تمثيل. في زمن طرح المعادلات لا يجدر ان يغيب الدروز عن المسار، لكونهم طائفة مؤسسة في الكيان، لكن مع الاسف، وهو شعور درزي صرف، ان “شطبهم” من المعادلة من خلال شطب طرف ذات تمثيل، ينم عن توافر نية لحكم الاقوياء في طوائفهم، اي عملياً حكم الطوائف القوية للبلاد، ما يؤدي بالتالي إلى طمس معالم الآخرين أو تذويبهم في اُطر مذهبية أخرى، وهو ما ترفضه خلدة عن سابق إصرار وترصّد!

عقدة أكبر من عقدة درزية اذاً، تكبر حين تتجه النظرة إلى التمثيل الدرزي الحالي في الحكومة والذي، ومع دخول الدروز في وزير واحد مقترح “ولو من خلال بدعة جمع الخارجية بالزراعة (!!)” يصبح تمثيلهم يقارب 5%، اي أقل حتى من تمثيلهم العددي والمعنوي في الكيان، وهذه قضية يسأل عنها طرف من الدروز يدفع صوب هذا الواقع، ثم الحلفاء الذين وعدوا “خلدة” بالمؤازرة، فغرقوا في شؤونهم و جنحوا تحت جنح الليل إلى المساومات.

عبارة “المير” والتي تُجمع أطراف على أنها “متعددة الاستهدافات”، ثمة تقدير على أنها تستهدف وبدرجة أقوى التيار الوطني الحرّ ثم حزب الله بدرجة ثانية. فمن جهة، تعتقد خلدة أن انشغاله بالمفاوضات مع الحريري أذهب عنه وجود حلفاء له شاركوا في معاركه فقابلهم بالتخلي باكراً عن معركتهم المتمثلة بتوسيع التشكيلة الحكومية إلى 20 لقاء “توقيعه على بياض لـصيغة الـ18 من دون العودة إليهم”. ولحزب الله حصة، وهو المتهم بعدم إعطاء “القضية الدرزية” في الحكومة أولوية. لكن الحزب عملياً معفى من الاتهام، وهو الذي أحال مسألة تمثيله في الحكومة إلى شريكه في الثنائية الرئيس نبيه بري وينتظر الآن عند قارعة تفاهم عون – الحريري ليفتح أوراقه. وبالتالي الذي يجب ان يسأل عما يحل في التمثيل الدرزي الآن هو الرئيس نبيه بري!

أمر آخر، ان الرئيس سعد الحريري الذي ربط نفسه اصلاً بسلسلة من الوعود، اصبح اسير معادلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. “التمثيل الدرزي بحقيبتين لقاء تغطية الحكومة بالثقة المذهبية”. عند هذه القاعدة يتولى رئيس تيار المستقبل اليوم مقاتلة الطرف الدرزي الآخر بالاصالة عن “بيك المختارة” ومن خلال ريموت كونترول يجري التحكم به “من فوق”. و”البيك” وضع فيما مضى قاعدة فحواها “المير out” ولا يمكن إخراجه من طبيعة القرار الحكومي إلا على متن تشكيلة 18، جعل من الحريري “فزاعة” بينما الاخير يكاد لا يحصد من وراء تلك النتيجة إلا أنه يحرق نفسه بين الربوع الدرزية لأجل لا شيء نظرياً.

المسألة بالنسبة إلى خلدة إذاً مسألة خداع مورست بالتكافل والتضامن بين حلفاء وخصوم. ما زال يحز في قلب خلدة ما صرفته في مجال مؤازرة الحريري زمن الانتخابات النيابية.

كاد ضم مرشحه يومها إلى لائحة مدعومة من الحزب ان يطيح بتحالفات تاريخية للديمقراطي، مع ذلك، تغلبت “خلدة” على قساوة اللحظة وفضلت حبس نفسها في بوطقة مريرة لقاء عدم تهميش طرف مكون في المنطقة، لكن صودف الآن أن نفس الشخص الذي عُمِلَ على عدم عزله يقود فرقة عزل الشريك الدرزي الآخر!

Exit mobile version