طوني خوري – خاص النشرة
لطالما اشتهر في لبنان المثل الذي يحمّل الآخرين مسؤولية ما يحصل من امور، واشتهر بعبارة “الحق على الطليان”. اليوم، وفي خضم الازمة الحكومية اصدرت مصادر بيت الوسط عبارة جديدة ارادت لها ان تنتشر سريعاً، وهي “وطاويط القصر” التي ألقت عليها مسؤولية الاطاحة بكل التقدم الذي شهدته الايام الاخيرة، ونسبة التفاؤل المرتفعة التي سجّلت قبل ساعات فقط. لحسن الحظ ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري كان غادر قصر بعبدا قبل ان يسيطر الليل على الاجواء، والا لكانت الوطاويط انقضّت عليه، وربما غيّرت ما حمله معه وما عاد به من معطيات وافكار. ولكن في الواقع، وبعيداً عن الاتهامات والتعقيدات، ما حصل لم يكن مفهوماً جداً، ولم يُساهم موقف الحريري في توضيحه، لا بل زاده تعقيداً. ففي كلام الحريري بعد اللقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قال كلاماً يبرّئ الرئيس ميشال عون من اي تهمة في العرقلة وفي ألّا تكون الحكومة من غير الاختصاصيين، هذا الكلام صدر بعد اللقاء وليس قبله، ما يعني انّ المتّهم الرئيسي في كلام مصادر بيت الوسط هو النائب جبران باسيل. وفي حال صحّت هذه الاتهامات، وكان باسيل بالفعل خلف نسف الجسور الايجابيّة التي تمّ بناؤها قبل ساعات من اللقاء في قصر بعبدا، فهل كان الحريري مصدوماً؟ فما الذي تغيّر في 24 ساعة؟ لطالما كان باسيل هو المتّهم في عرقلة تشكيل الحكومة، واذا كانت مطالبه معروفة ويتبناها بالفعل رئيس الجمهورية، فلماذا لم يعمد الحريري الى التعامل معها كما يجب؟ الامر المحيّر الآخر هو تأكيد الحريري انه لن يستكين قبل تشكيل الحكومة، بمعنى آخر ان ليس على احد ان يراهن انه سيتخلى عن دوره كما فعل سلفه السفير مصطفى اديب. فعلى ماذا يراهن الحريري اذا كانت العرقلة من وطاويط القصر؟ فالجميع يعلم انه اذا كان المتّهم باسيل فالرئيس لن يتخلّى عنه، وهذا امر لا يحتاج الى الكثير من الجهد والتحليل لادراكه، وبالتالي لن يكون ممكنا تخطي هذه العقبة، فيما لو كانت بالفعل هي القائمة، من دون الوصول الى قواسم مشتركة، لا يريد الحريري الدخول فيها وفق ما قاله ايضاً بعد اللقاء، لجهة انه لا يريد اعطاء وزارات لاحزاب بل لاختصاصيين.
عقدة اخرى محيّرة في كلام الحريري وهو الذي ارتضى ان”يحل مشكلة” عبرتقسيم الوزارات على الطوائف، ولكن هل يمكن لأحد اقناعنا بأنّ وزارة المال ستؤول الى شيعي لا يحظى برضى ودعم الثنائي الشيعي، وهل سيتمّ توزير وزراء من السنّة يعارضون الحريري سياسياً وينتقدون تيار المستقبل بالسرّ والعلن؟ وهل يمكن الاتيان بوزراء مسيحيين خارجنوادي التّيارات والاحزاب المسيحيّة المعروفة؟ فعن أيّ حسابات ومفاهيم يتحدث رئيس الحكومة المكلّف؟.
صحيح ما قاله الحريري من ان المواطن لم يعد يرغب في رؤيته متوجهاً الى قصر بعبدا ومغادراً اياه من دون التوصّل الى حكومة، ولكنّه بدأ كلامه بأنّ المشاورات ستستمرّ بينه وبين عون حتى التوصّل الى تشكيل حكومة يحتاج اليها لبنان واللبنانيون، ما يعني انه أسقط ايّ تفكير بقطع الخطوط بين بعبدا وبيت الوسط. هل اوحى الحريري ان التشاور سيكون عن بعد وليس عبر لقاءات؟ فهل هذا هو الحلّ للمشكلة بحيث لا يرى المواطن أيّ حركة على طريق قصر بعبدا، انما تكون المشاورات قائمة عبر الهاتف والاتصالات السلكية واللاسلكية؟.
في مقابل كل ذلك، تساءل الكثيرون عن مدى صحة ما قيل سابقاً ويقال حالياً من أنّ الحكومة تنتظر تبدّل الخريطة السياسية في الولايات المتحدة بعد تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن رسمياً مقاليد الحكم، فهل سنكون عندها امام ابواب الفرج الحكومي، وهل ستختفي “وطاويط القصر” بدواء بايدن العجيب، أم أنّ دواء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيعطي مفعوله في اللحظات الاخيرة؟.