جون رينتول معلق سياسي @JohnRentoul
لا تظهر خوفك أبداً. في مقابلة أجراها الأسبوع الماضي مع مات فورد مؤلف كتاب “المشرّد السياسي”، شرح بيتر ماندلسون كيف حافظ على سمعته كشخص (سياسي) هادئ. كانت تلك واحدة من الأفكار المدهشة التي قدّمها شخص يفهم السياسة أفضل من معظم الناس. وكان من المدهش تحديداً سماعه يقول “أنا فخور إلى حد ما بكوني نموذجاً يُحتذى به للشباب المثليين”.
كان في هذا السياق يتحدث عن الخوف. لم يُخفِ ميوله الجنسية أبداً، لكنه أيضاً – حتى الآن – لم يسبق أن استغلّها. في المقابلة، تحدث عن لحظة في عام 1998 عندما قام ماثيو باريس، النائب السابق المثلي، بـ “فضحه” في برنامج نيوز نايت (برنامج إخباري تبثه محطة “بي بي سي 2″). وقتها، كان ماندلسون يشاهد البرنامج في المنزل و”لم يهتز له جفن” عندما قال باريس إنه مثلي الجنس.
أثار ذلك التعليق عاصفة إعلامية، وقال ماندلسون إن أليستر كامبل، المتحدث الإعلامي لتوني بلير (في حينه)، طالب بإصدار “بيان توضيحي،” وهو ما كان ماندلسون متردداً في القيام به. ثم قرر رئيس الوزراء (بلير) ألا يفعل ذلك لأن من شأنه إعطاء القصة دفعة أخرى، لكن وسائل الإعلام حاصرت ماندلسون في كل مرة يُقابلها، وكان لا بد أن يقول لنفسه إن ليس لديه “ما يخجل منه” و “لا تُظهر خوفك أبداً”.
هذا هو أحد المفاتيح لفهم بوريس جونسون – وفي الواقع لفهم العديد من الأشخاص ذوي الشخصيات الغريبة الذين أصبحوا رؤساء وزراء. في يوم الاثنين، على سبيل المثال، جاء جونسون إلى المنصة في 10 داونينغ ستريت لحضور مؤتمر صحافي آخر. كان يأمل الإعلان خلاله أنه تحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأنهما نجحا في تبديد سوء التفاهم السخيف بينهما حول معبر دوفر- كاليه الحدودي بين البلدين.
بدلاً من ذلك، من الواضح أن ماكرون كان قد أعطاه جواباً غير مساعد، واضطر رئيس الوزراء إلى مخاطبة الأمة ليشرح لها أنها أصبحت محاصرة من قِبل بقية العالم، بينما كانت السلالة الجديدة لفيروس كورونا تنتشر بشكل أسرع من عملية تشديد القيود الأخيرة.
ربما كان أي شخص طبيعي سيتخوف من كونه حاملاً للأخبار السيئة. لكن إذا كان جونسون قلقاً، فإنه لم يُظهر ذلك، حيث قال “أريد أن أطلع الجميع على شيء واحد، وهو ما يحدث على حدودنا وبخاصة في دوفر”. ثم كشف عن بعض الأرقام التي تشير إلى أن المشكلات طفيفة – وهي أرقام تبين لاحقاً أنها خاطئة بعد دقائق – وقال “نحن نعمل مع أصدقائنا عبر القناة للسماح بتدفق التجارة بأسرع ما يمكن”.
كان الأمر كله خداعاً وتبجُحاً وتفاؤلاً لا أساس له من الصحة. ومع ذلك، فإن هذه السمات هي التي تجعله يستمر وتُمكّنه من التعافي من أي نكسة. إنها وقاحة لا تُطاق بالنسبة للأشخاص الذين لا يُحبونه، لكن بعد كل ما حدث هذا العام، لا يزال جونسون في منصبه. وبالنظر إلى كونه رئيس الوزراء الذي تعامل مع أزمة فيروس كورونا بشكل سيء كما يقول معظم الصحافيين، فإنه لا يزال يتمتع بشعبية ملحوظة ولا يزال حزب المحافظين يتفوق على حزب العمال في استطلاعات الرأي.
يلعب المزاج دوراً كبيراً في حياة أي سياسي ناجح، ولكل واحد أسلوبه المختلف في التعامل مع الشدائد. وفي هذا الصدد، كان بلير يتقاسم هدوء ماندلسون الخالي من التعابير، وكان غوردون براون عبارة عن “جرافة”، فيما كان ديفيد كاميرون يظهر نشاطا مبهجاً، وكانت تيريزا ماي تتميز بصمت لا يُمكن اختراقه. وبالنسبة إلى جونسون، فإنه يتمتع بتبجّح واثق. وهناك ضرورة أيضاً لبعض الوقاحة، التي لديهم جميعاً نصيبهم فيها، لا سيما جونسون. ويُعتبر ما قام به يوم الثلاثاء الماضي من منح وسامٍ لبيتر كروداس، المتبرع لحزب المحافظين والأمين السابق لصندوق الحزب، في تحد لتوصية لجنة مجلس اللوردات المستقلة، مثالاً كلاسيكياً على ذلك.
ولقد علّق أندرو جيمسون، مؤلف سيرة جونسون، الأسبوع الماضي على كيفية عمل كاتب الأعمدة الذي أصبح رئيساً للوزراء قائلاً “غالباً ما وجد العُقلاء أن كتاباته الصحافية غير مسؤولة، والآن يجدون سياسته غير مسؤولة. لكن هذا جزء من المسألة. سواءً عندما يكتب أو يتحدث أو يتفاوض، فإن جونسون يقدم عرضاً ممتعاً للجمهور لأنه يرعب حُماة الأعراف”.
وبالطبع هو أداء يتطلب الجرأة في مواجهة الأمور حين تسوء، كما ساءت مع جونسون طوال العام. ففي كل مرحلة من مراحل التعامل مع فيروس كورونا، سعى إلى التقليل من خطورته والتركيز على احتمالية “التخلص منه” بسرعة غير معقولة. ونتيجة لذلك، بدا في كثير من الأحيان أنه يتصرف مُتأخراً بشكل غير مسؤول.
ومع ذلك، لا تزال نسبة كبيرة من الشعب البريطاني تُحسن الظن به. لذا، طالما لم يُظهر أبداً تخوفه، فقد يصبح رئيساً للوزراء لفترة طويلة مقبلة.
© The Independent