تحت عنوان: “جرائم قتل متنقلة في لبنان.. والعجز الأمني يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة”، كتب أيمن شروف في “الحرة” يقول:
يعيش لبنان على وقع الكثير من التسريبات والشائعات التي تتحدث عن عمل أمني أو انفجار أمني، وهو أمر اعتاد عليه اللبنانيون منذ سنوات.
على أرض الواقع هناك ما هو أخطر من الانتظار أو توقع الأسوأ. عمليات قتل متكررة وإن متقطعة، إلا أن ما يجمع بينها عامل واحد: السلطات غير قادرة على تحديد المسؤولية ولا حتى كشف خيوط قد تؤشر إلى جهة تقف وراء حادثة بعينها.
جرائم كثيرة تحصل في لبنان، مثله مثل أي بلد في العالم، لا بل قد يكون إلى الآن ونظراً لما يمر به، نسبة الجريمة لا تُعتبر عالية كما يقول المختصون.
لكن في الفترة الماضية، وقعت عدة جرائم، حاول الرأي العام اللبناني ربطها بما يحصل، إن أولاً بما يتعلق بالأزمة الاقتصادية أو ثانياً بما يتصل بانفجار بيروت الكبير، الذي وقع في المرفأ يوم 4 آب 2020.
ويبرز إلى الآن 3 جرائم حصلت في الأشهر الأخيرة وبقيت علامات الاستفهام حولها، ومُرجح كما جرت العادة في معظم الملفات الأمنية، ألا تصل التحقيقات إلى نتائج ملموسة، أو كما يقول مقربون من الضحايا إن “الأجهزة الأمنية قد تكون توصلت لنتائج ولكن ما يمنع الإعلان عنها هو الاعتبارات السياسية المحلية التي أيضاً تقف بوجه تحقيق العدالة للضحايا”.
الجرائم الغريبة
صباح 4 حزيران 2020 عثر على المواطن أنطوان داغر وهو مدير الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال في بنك بيبلوس، وهو في العقد السادس من العمر، داخل موقف سيارات في منطقة الحازمية قرب أوتيل دوفين، “مقتولا بآلة حادة على رأسه في موقف السيارات في المبنى الذي يقطنه في الحازمية”.
وأتى اغتيال داغر حينها في وقت يعيش لبنان أزمة اقتصادية يحمل خلالها اللبنانيون المصارف جزءا أساسيا منها، واللافت كان أن من نفذ علمية الاغتيال لم يبغ القيام بعملية سرقة وهو ما يرجح بحسب الأمنيين أن الاغتيال كان بدافع آخر.
وهنا تتعدد التحليلات من دون أن يكون هناك معطى واضحا حول خلفية الجريمة سوى ما صرح به مقربون من الضحية من أنه “كان يعمل على ملفات حساسة بحكم موقعه في المصرف”. ولكن ما هي هذه الملفات الحساسة التي تقود إلى حتفه؟ لا جواب.
كذلك، في 2 كانون الأول الجاري عُثر على العقيد المتقاعد في الجمارك، منير أبو رجيلي، مقتولا في منطقة قرطبا (شمالي لبنان)، وقد أظهرت التحقيقات الأولية أن أبو رجيلي تعرض لضرب على الرأس بواسطة آلة حادة ما أدى إلى مقتله.
وتعددت الروايات حول دوافع الاغتيال، وحينها غرد النائب السابق وليد جنبلاط على تويتر: “ماذا وراء مقتل العقيد منير أبو رجيلي رئيس مكافحة التهريب سابقا في الجمارك اللبنانية. هل أن هذا الحدث المريع لتعطيل أي تحقيق جدي في قضية الانفجار في مرفأ بيروت”؟
ولم يصل التحقيق إلى اليوم لنتيجة واضحة، وتقول مصادر أمنية إن “العمل لا زال جار لمعرفة الحقيقة، لكن إلى الآن الترجيحات تشير إلى أن الدافع هو السرقة وليس أكثر من ذلك”.
وتبني المصادر حديثها للرد على معلومات أخرى ربطت اغتيال أبو رجيلي بمحاولة طمس حقائق حول تفجير المرفأ، وتؤكد أن “الرجل لم يكن له علاقة بالمرفأ بل عمل في مطار بيروت”.
جريمة الكحالة وألغازها
منذ أيام قليلة، في 21 كانون الأول، عثر أيضا على المواطن جو بجاني مقتولا في سيارته أمام منزله الواقع في الكحالة وهي منطقة أمنية تتواجد فيها مراكز عسكرية كثيرة ووزارة الدفاع وهي أيضا تقع في نطاق جغرافي قريب من قصر رئاسة الجمهورية.
ويعمل بجاني في شركة الاتصالات “ألفا” وهو أيضا مصور معتمد لدى قيادة الجيش، ولكنه بحسب مقربين لا يعمل بالتصوير كوظيفة بل هواية وهو لا يتقاضى راتبا من قيادة الجيش جراء قيامه بتصوير بعض المناسبات، ويظهر شريط الفيديو المعروض لعملية الاغتيال كيف قام القاتلان بتنفيذ الجريمة.
وبعد الحادثة، انتشرت معلومات وشائعات كثيرة حول دوافع العملية، إلا أن الثابت الوحيد كما تقول مصادر عسكرية أن “الجريمة لم تكن إطلاقاً بدافع السرقة بل من نفذها قصد التخلص من بجاني ليس أكثر، ولكن الدوافع لا نعرفها إلى الآن والتحقيقات جارية ومكثفة ونأمل أن تصل لنتيجة سريعة”.
وتداول اللبنانيون معلومات تقول إن “بجاني لديه صور أعطاها للمحققين الفرنسيين حول مرفأ بيروت”، وهنا تقول المصادر إن “المغدور كان يعمل لدى قيادة الجيش وتربطه بضباطها علاقات جيدة، وإذا كان من صور التقطها فبالتأكيد ستكون القيادة من طلبتها وعلى علم بها”.
كذلك يقول صديق مقرب من بجاني إنه التقاه معه يوم أتي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان وتحدثا عن المرفأ “ولم يذكر أي شيء له قيمة حول امتلاكه لأمور مهمة أو تواصله مع محققين فرنسيين”.
أسئلة مستمرة
ولكن ماذا عن الشائعات الكثيرة التي تلت عملية الاغتيال؟ يقول العميد المتقاعد محمد رمال في حديثه لموقع “الحرة” إن “سيل الشائعات التي نشهدها اليوم وبعد كل حادثة هي دليل على عجز القادة الأمنيين والعسكريين عن كشف الجرائم التي تحصل”.
ويضيف أن “سرعة التحرك والكشف عن ملابسات كل عمل أمني يحد من الشائعات وهذا ما لا يحصل في لبنان”.
ويظهر شريط فيديو التقطته عدسة مراقبة مزروعة أمام منزل بجاني قيام شخصين بعملية الاغيتال، الأول تولى إطلاق النار عبر مسدس مزود بكاتم صوت مباشرة في رأس الضحية، والثاني قام بسرقة هاتفه قبل أن يلوذا بالفرار من خلال سلم قريب، لم يمض على إنشائه أكثر من شهر، كما يقول أحد أصدقاء الضحية لموقع “الحرة” في معرض التأكيد على أن الجريمة مدروسة.
وعثر على هاتف المغدور في مكان قريب من موقع الجريمة، وتشير مصادر أمنية إلى “احتمال أن الذي أخذ الهاتف وكان يبدو حاملا لحقيبة لا يُعرف ما هي، احتمال أن يكون بحوزته آلة لنسخ البينات وبالتالي قام بنسخ ما على هاتف بجاني ورماه قبل أن يبتعد عن المنطقة وذلك لمنع الأجهزة من تعقب الهاتف وهذا عمل محترف”.
ويعيش بجاني بحسب صديقه حياة عادية جداً ويضع عائلته أولوية فوق كل شيء وليست لديه ارتباطات كبيرة تجعل المرء يشك بأنه قد يقوم بعمل حساس لصالح جهة معينة، ومؤخرا وبحكم عمله في الاتصالات كان يقوم بجردة للـ”hardware”، ولكني أستبعد أن يكون هناك شيئا خطيرا قد وجده وأدى إلى تصفيته.
ويقول مصدر أمني إن “الجريمة ليست صدفة، من الجرأة في تنفيذ العملية إلى معرفتهم بالمكان وهو ما يؤكد أنهم راقبوا المنزل طويلا، فضلا عن طريقة التنفيذ وكاتم الصوت والطريق الذي سلكوه وصولا إلى الهاتف”.
الجرائم المتنقلة، والتي يحوم عليها الكثير من علامات الاستفهام تفتح باب التأويلات كما يقول رمال “خاصة لأن هناك أزمة الثقة بين المواطن ودولته في بلد لا تصل فيه الملفات الأمنية إلى نهايات واضحة، وهذا الأمر لا يفتح الباب فقط أمام الشائعات بل أيضا أمام استسهال ارتكاب الجرائم”.
يأتي هذا في وقت رفعت فيه الأجهزة الأمنية من استعداداتها تحسبا لأي عمل أمني، ومؤخرا سرت كثير من شائعات عن عودة الاغتيالات والمشاكل الأمنية المتنقلة.
ويقول مصدر عسكري رفيع: “ليس لدينا أي شيء يثبت أن هناك ما سيحصل، ولكن من خلال لقاءاتنا الدبلوماسية وصلنا بعض التحذيرات وبالتالي رفعنا منسوب الجهوزية”.
قبل 3 سنوات، حصلت أيضا جريمة قتل طالت العقيد المتقاعد في الجمارك، جوزيف سكاف، وهو كما تقول المعلومات سبق له وأخطر السلطات الجمارك بعد أشهر على وصول باخرة MV Rhosus، أن مادة الأمونيوم شديدة الخطورة وتشكل خطرا على السلامة العامة.
واللافت في هذا السياق، صدور تقريرين متناقضين عن طبيبين شرعيين كلفتهما النيابة العامة الكشف على الجثة حيث أشار أحد التقريرين إلى أن ما حصل قضاء وقدرا، أما التقرير الثاني فيؤكد أن هناك من يقف خلف ما حدث ورمى به على ارتفاع ثلاثة أمتار.
لا تصل التحقيقات إلى نتيجة. وبرأي رمال هذا الأمر يكون مرجحا خاصة “إذا كان بعض المتفلتين والمرتكبين ينتمون إلى محميات حزبية وطائفية”.
المصدر: الحرة