وقبل ذلك اخترق قراصنة من كوريا الشمالية عام 2014 شركة “سوني” (SONY)، وبعد عامين، استطاع قراصنة تابعين لروسيا من شن هجوم كبير على الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
وفي كل حالة عزا صقور السياسة الخارجية الأميركية إلى أن تلك الهجمات حدثت بدون أن يكون هناك تكلفة؛ بسبب غياب رد الفعل الأميركي.
لكن لا ينبغي أن يعتقد البعض أن الولايات المتحدة من جانبها لا تقوم بمهاجمة أعدائها إلكترونيا، فواشنطن تشن هجمات سيبرانية على بعض الأهداف حول العالم، ويتم الإعلان عن عدد محدود من هذه الهجمات، في حين يفضل الكثير من الأطراف الصمت تجاه الكثير من الهجمات.
كما تتبنى واشنطن موقفا استباقيا في إستراتيجيتها الدفاعية للهجمات الإلكترونية تسمى “الدفاع للأمام” (Defend Forward). والفكرة الأساسية هي أن القيادة السيبرانية الأميركية ستحافظ على وجود مستمر في الشبكات الخارجية المعادية؛ حتى تتمكن من مواجهة خصومها حين يشنون هجمات إلكترونية.
واعتُبرت إستراتيجية “الدفاع للأمام” ناجحة، فقد منعت التدخل في انتخابات الكونغرس 2018 وانتخابات 2020؛ لكنها فشلت تماما حتى في الكشف عن الاختراق الأخير، والذي تعتقد أغلب التقديرات الاستخباراتية بوقوف روسيا وراءه.
ومن ثم جاءت الهجمات السيبرانية التي استهدفت مئات وربما آلاف الجهات الحكومية وغير الحكومية؛ ليعتبرها الكثير من المراقبين السياسيين خاصة في الكونغرس بمثابة هجوم “بيرل هاربر” الإلكتروني.
وبسبب هجوم بيرل هاربر، الذي شنته طائرات يابانية على الأسطول الأميركي قبالة جزيرة هاواي في المحيط الهادي قبل نهاية عام 1941، دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية.
ويُعتقد على نطاق واسع أن عملية الاختراق الإلكترونية الأخيرة هي واحدة من أكثر العمليات ضررا خلال السنوات الأخيرة، وحتى كتابة هذا المقال يبدو أن الهجمات ما تزال مستمرة. وفي الوقت الذي أكدت فيه وكالات استخبارات أميركية أنها تحاول تقييم حجم الأضرار الناجمة عن العملية التي بدأت في مارس/آذار الماضي، لم يتضح بعد حجم الخسائر أو أهمية المعلومات التي ربما يكون تم الاطلاع عليها أو نسخها أو إفسادها.
ودفع ذلك بعدد من أعضاء مجلس الشيوخ إلى وصف الهجوم بأنه “حالة حرب” شُنت من دول أجنبية على الولايات المتحدة، وهو ما يستدعي الرد. وقال كريس كونز، السيناتور الديمقراطي من ولاية ديلاوير، “إن ما جرى يعد عملا عدائيا يرتفع إلى مستوى الهجوم، الذي يوصف بأنه حرب، إنه هجوم واسع النطاق استهدف أنظمتنا العسكرية، وأنظمة استخباراتنا بطريقة لم أرها من قبل طوال حياتي”.
ويزيد من تعقيد الرد الأميركي أن اكتشاف الهجوم يتزامن مع انتقال غير سلس للسلطة من إدارة جمهورية إلى إدارة ديمقراطية، إضافة لعدم امتلاك إستراتيجية واضحة للرد على الهجمات السيبرانية.
إذا طار شخص ما بطائرة عسكرية تابعة لدولة ما في مجال جوي لدولة بدون إذن مسبق، فإن هناك اتفاقا دوليا منظما لهذه الحالات، وهذه الاختراقات، وقد ترد دولة بهجوم عسكري مماثل بأن تسقط الطائرة؛ لكن لا يوجد اتفاقيات حاكمة ومنظمة لمثل تلك الاختراقات في المجال التكنولوجي والسيبراني.
وتترك الهجمات الأخيرة واشنطن في حيرة، إذ يفتقر العالم بشكل عام إلى الاتفاقيات الدولية الشاملة بشأن الحروب الإلكترونية أو التجسس الإلكتروني، ولا يعرف أحد كيف يمكن التوصل لاتفاقيات ب لاعبين بعضهم دول، وبعضهم أشخاص وقراصنة يعملون لحسابهم، وبعضهم شركات كبرى وبعضهم شركات صغرى وبعضهم منظمات غير حكومية وبعضهم منظمات إرهابية.
وتمتلك الولايات المتحدة والصين وروسيا الكثير من الإمكانيات التكنولوجية المتطورة عسكريا، كما تملك ترسانات من الأسلحة التقليدية من طائرات وقاذفات ومدرعات وغواصات وصواريخ، إضافة للأسلحة النووية والكيميائية.
ويزيد الموضوع تعقيدا في وضع قواعد حاكمة لصراعات المستقبل التكنولوجية، عدم وجود فواصل واضحة بين ارتباط كبرى شركات التكنولوجيا والحكومات والجيوش في دولها الأصلية.
وعلى سبيل المثال اعتبرت واشنطن عددا من شركات التكنولوجيا الصينية على علاقة مشبوهة بالجيش الصيني، وفرضت عليها عقوبات مختلفة. وبلغ عدد الشركات الصينية المدرجة على القوائم الأميركية السوداء أكثر من 270 شركة على رأسها “هواوي” (HUAWEI) و”زد تي إي” (ZTE) اللتين تعملان في مجال الاتصالات، وشركة “هيكفيجن” (Hikvision) لأنظمة المراقبة، وشركة “سميك” (SMIIC)، أكبر شركة صينية لصناعة أشباه الموصلات.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، آمنت الدول الكبرى بنظرية الردع المتبادل، والذي يعني أن أي طرف يستطيع أن يبدأ القتال؛ لكن الطرف الآخر سيتمكن من الرد، وسمح ذلك التوزان الدقيق بمنع وقوع حروب بين الدول الكبرى، لعقود طويلة.
اليوم لا تعرف الدول الكبرى أي نظرية للردع الإلكتروني، ولا توجد قواعد حاكمة لقواعد الاشتباك السيبراني، ويزيد كل ذلك من خطورة وقوع مواجهات لم تعرف البشرية لها مثيلا من قبل.
المصدر: الجزيرة