نداء الوطن
بنمطية مملّة ونغمة ممجوجة تعيد تكرار الأسطوانة المقيتة نفسها مع كل استحقاق حكومي، تتواصل مسرحية التأليف فصولاً على متن “التايتانيك” اللبنانية، وتواصل أوركسترا السلطة الضرب على وتر المحاصصة تحت قيادة مايسترو حاكم متمرّس في العزف الشاذ من خارج “نوتة” الدستور في عملية تشكيل الحكومات، على إيقاع يعلي المصالح الشخصية والسياسية على مصير البلد وأبنائه. وما كان اللبنانيون ينتظرونه من عيدية موعودة عشية الميلاد، أتتهم بالأمس على شكل “مفرقعات نارية” تقاذفتها مصادر بيت الوسط وقصر بعبدا لتتحول تحت وطأتها “العيدية” من مناسبة لتبادل التهاني بالتأليف إلى تبادل للاتهامات بالعرقلة بين “وطاويط القصر” و”الغرف السوداء”.
وإثر اللقاء الرابع عشر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ساد تراشق كلامي من العيار الثقيل على جبهتي الطرفين، يؤكد اتساع رقعة الاختلاف في التوجهات بينهما حيال التشكيلة الوزارية، لتكون النتيجة مزيداً من احتدام كباش الحصص على الحقائب الوزارية والتسليم باستمرار هذا الكباش إلى العام المقبل بما يعنيه ذلك من ترحيل قاتل للمعالجات الملحّة المطلوبة من حكومة الاختصاصيين العتيدة.
وفي هذا الإطار، بعد إعلان الرئيس المكلف من قصر بعبدا عن استمرار البحث بـ”إيجابية” مع رئيس الجمهورية في سبل استيلاد الحكومة، بدت لافتة للانتباه مسارعة دوائر الرئاسة الأولى إلى تبديد الأجواء الإيجابية في مسار التأليف عبر تسريبات تؤكد عدم الاتفاق على التشكيلة المقترحة من الرئيس المكلف مع اتهامه بمحاولة الاستئثار بحقيبتي العدل والداخلية مقابل إصرار عون على أن تكونا من حصته الوزارية إلى جانب وزارة الدفاع، الأمر الذي أخرج “بيت الوسط” عن طوره فرد عبر مصادره بالكشف عن أنّ “الأجواء الإيجابية التي عكسها الرئيس المكلف في كلامه إنما كانت بطلب مباشر من رئيس الجمهورية الذي تمنى عليه التصريح بوجود إيجابيات”، معتبرةً أنّ “وطاويط القصر تحركت ليلاً لتعكير الجو والإعداد لجولة جديدة من التعقيدات على جري عادتها منذ التكليف”، ومنبهة من “محاولات تزوير الحقائق التي يمارسها بعض المحيطين والمستشارين والمتخصصين بفتاوى التعطيل السياسي والدستوري”.
وإذ لخّص مصدر مواكب للمفاوضات الحكومية أجواء اللقاء رقم 14 في قصر بعبدا بعبارة “عون لا يزال متمسكاً بمعايير باسيل”، كاشفاً أنّ الأخير يُصرّ عبر رئيس الجمهورية على إسناد حقيبة الداخلية إلى شخص حزبي في “التيار الوطني الحر”، وإسناد حقيبة العدل لشخصية “على صورة سليم جريصاتي”، عادت مصادر الرئاسة الأولى إلى تعميم أجواء مفادها أنّ رئيس الجمهورية رفض تشكيلة الحريري لأنها تفتقر إلى “المعايير الواحدة”، متهمةً الرئيس المكلف بأنه يتصرّف في تشكيل الحكومة على قاعدة “One Man Show” ويتمسك بوزارتي الداخلية والعدل. وأضافت في ردها على مصادر “بيت الوسط”: “لا وطاويط في قصر بعبدا ولا غرف سوداء، في حين أن الغرف السوداء موجودة لخدمة الراغبين في تعكير الاستقرار السياسي في البلاد وعرقلة تشكيل الحكومة واسقاط التوازن الوطني والمعايير الواحدة عنها”.
وفي المعطيات التي رشحت عن اجتماع بعبدا أمس، أنّ الرئيس المكلف لم يحمل جديداً يرضي تطلعات رئيس الجمهورية في إعادة توزيع الحقائب السيادية واستبدال بعض التسميات الاختصاصية بشخصيات ذات ميول سياسية “بغية ضمان تحصين الحكومة” بحسب ما يشدد عون، غير أنّ الحريري بقي على موقفه لناحية شكل الحكومة وطبيعتها التخصصية بناءً على موجبات المبادرة الفرنسية التي تنصّ حرفياً على وجوب اختيار وزراء من أهل الاختصاص والكفاءة من غير الحزبيين والسياسيين.
وإزاء عودة الأمور إلى المربع الأول بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، تترقب الأوساط المتابعة ما سيكون عليه موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي حيال مستجدات الملف الحكومي، متوقعة غداة النكسة التي أصابت مساعيه لتقريب وجهات النظر الحكومية أن تحمل عظة عيد الميلاد التي سيلقيها صبيحة العيد، بحضور عون، معاني بالغة الدلالة والوضوح في سياق لا يخلو من توبيخ صريح للمسؤولين على استمرارهم في لعبة المغامرة بمصير الكيان لحسابات شخصية ضيقة لا تقيم وزناً لاحتياجات الناس ولا تتعامل بما تفرضه المسؤولية الوطنية من مسارعة إلى تشكيل حكومة إنقاذية تبدأ بوضع المعالجات المطلوبة للأزمة موضع التنفيذ بالتعاون مع فرنسا والمجتمع الدولي.