تحت عنوان “”حرب استنزاف جديدة”.. هجمات “داعش” تتصاعد في 5 محافظات سورية”، كتب ضياء عودة قائلاً:
لا يكاد يمر يوم في سوريا إلا ويعلن فيه تنظيم “داعش” عن هجمات في مناطق متفرقة من خمس محافظات سورية، في استراتيجية تصاعدت منذ قرابة ثلاثة أشهر، ولم تقتصر أهدافها على قوى محلية دون أخرى، بل انسحبت على كافة المقاتلين على الأرض في الخريطة السورية، بدءا من “قوات سوريا الديمقراطية” في الشرق ووصولا إلى قوات الأسد وفصائل المعارضة في الشمال والغرب.
وباتت منطقة البادية السورية القاعدة الرئيسية التي تنطلق منها هجمات خلايا “داعش”، وذلك بعد أكثر من عام من إعلان الولايات المتحدة الأميركية القضاء على نفوذه بشكل كامل، بعد السيطرة على آخر معاقله في منطقة الباغوز بريف مدينة دير الزور السورية.
وتبلغ مساحة البادية السورية نحو 80 ألف كيلومتر مربع، وتتوزع على محافظات: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء، وحسب مراقبين فإن نشاط خلايا “داعش” في البادية يأتي ضمن استراتيجية مختلفة بشكل جذري عن استراتيجياته السابقة في القتال، خاصة من ناحية تنقّل المقاتلين أو أساليب الاستهداف المحددة.
ومنذ أشهر تخوض روسيا وقوات الأسد عمليات عسكرية غير معلنة في البادية السورية، يشارك فيها الطيران الحربي، وخاصة في أجزاء البادية من ريفي حماة وحمص، وذلك بعد تصاعد الهجمات التي باتت تعيق تنقل المدنيين والعسكريين على الطرقات الواصلة من جنوب سوريا إلى شمالا في محافظة حلب.
في المقابل تخوض القوات الكردية في شرق سوريا عمليات أمنية أيضا ضد خلايا “داعش”، والتي أعلنت في عدة مرات، آخرها منذ يومين استهداف مسؤولين في “الإدارة الذاتية”، في مناطق متفرقة من دير الزور والحسكة.
استراتيجية وتكتيك جديد
حسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تقرير لها صدر في 31 من آذار الماضي فإن تنظيم “داعش” يحافظ على “مستوى منخفض” من عملياته داخل المنطقة الشرقية في سوريا، بالإضافة إلى قدرته على اتخاذ إجراءات دفاعية محدودة من حيث النطاق والمدة وعدد المقاتلين.
ولدى الإدارة الأميركية تخوف من قدرة “داعش” على إعادة تشكيل نفسه في البادية السورية في وقت قصير، بحسب التقرير “بما يتجاوز القدرات الحالية للولايات المتحدة لتحييده من دون وجود أرضية تشارك في ذلك”.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية أن تنظيم داعش يمتلك خبرة طويلة في العمل السري والعسكري، وتكتيكات الحروب الجديدة، لذلك هو بالتأكيد ليس لديه شيء عشوائي في الوقت الحالي، بل لديه غاية وهدف في النهاية.
ويقول الباحث الأردني في تصريحات لموقع “الحرة” إن داعش كان قد أعلن وبعد خسارته منطقة الباغوز عن تحول مباشر في استراتيجيته من “الحروب الكلاسيكية” إلى “حروب الاستنزاف” وحروب العصابات، والتي يطبقها الآن في منطقة البادية السورية ضد القوى المحلية المتصارعة.
ويوضح الباحث أن تنظيم “داعش” تكيف على الصعيد الهيكلي في الأشهر الماضية، وألغى كل الهيكل التنظيمي القديم القائم على السيطرة المباشرة، كما اتجه إلى “فصل الولاية التنظيمية بين العراق وسوريا في مرحلة مبكرة، في إطار خطوات الانتقال إلى حروب العصابات التقليدية”.
من المركزية إلى اللامركزية
عند الحديث عن منطقة البادية السورية التي تخرج منها هجمات خلايا “داعش” فهي منطقة صحراوية لا يوجد فيها إلا التلال والهضاب والصحراء، الأمر الذي يطرح إشارات استفهام عن الموارد التي تعتمد عليها الخلايا في أسلوب عيشها، وطبيعة الحياة العامة الخاصة بها، خاصة أن المنطقة التي تنشط بها تعتبر منطقة جرداء لا تعيش فيها إلا الوحوش.
وإلى جانب التمركز في منطقة البادية السورية فالملاحظ بأنه هناك خلايا تعيش داخل الأوساط الاجتماعية في سوريا، خاصة في مناطق شرق الفرات في ريف دير الزور، إلى جانب أوساط محافظة درعا، التي كان يتمركز فيها مقاتلو “داعش” في السنوات السابقة في منطقة حوض اليرموك في الريف الغربي.
ويشير الباحث حسن أبو هنية إلى أن تنظيم “داعش” يعمل حاليا في سوريا ضمن مجاميع صغيرة ومتوزعة في مناطق متفرقة، بالإضافة إلى الخلايا الموجودة في المدن، التي تعرف باسم “الخلايا النائمة”.
ويقول الباحث إن “التنظيم ليس في عجلة من أمره ولا يعتمد الآن على ردّات الفعل، بل يعمل وفق خطة وضعت فيها الأهداف بشكل واضح، من قبل القيادة المركزية”، مضيفا أن داعش وفي إطار عودته الجديدة الآن، فقد تحول من حالة المركزية إلى حالة اللامركزية، والتي تسري على رأس الهرم مما يسمى بـ”أمير الولاية” ومن ثم “القواطع والمفارز، والخلايا”.
وكان “معهد دراسة الحرب” قد ذكر أن “داعش” بنى مجموعاتٍ صغيرة من بقايا فلول قواته التي شكّلها في عام 2011، وتمكنت من السيطرة على الموصل والفلوجة ومدن أخرى في العراق، والسيطرة على معظم شرق سوريا في ثلاث سنوات فقط، كما أشار التقرير أن التنظيم قد وضع خططا مضادة لخوض مرحلة تالية من الحرب.
وحسب الباحث أبو هنية، فإن داعش يسير اليوم أيضا في “استراتيجية الصبر الاستراتيجي” وينتظر في الوقت الحالي ما ستؤول إليه الأوضاع في شمال شرق سوريا، سواء بانسحاب الولايات المتحدة الأميركية، أو نشوب نزاع عسكري جديد بين تركيا والقوات الكردية.
ما الموارد التي تعتمد عليها الخلايا؟
رغم الحديث المؤكد عن نشاط “داعش” في البادية السورية، وما يؤكده الأخير بالإعلانات الرسمية بين الفترة والأخرى تغيب أي أرقام دقيقة عن عدد المقاتلين النشطين، والذين يبدو أنهم وحسب مراقبين منفصلين عن بعضهم البعض في مناطق جغرافية متفرقة، سواء داخل المدن أو في المناطق الصحراوية.
مصدر إعلامي من محافظة درعا يقول في تصريحات لموقع “الحرة” إن خلايا “داعش” لها نشاط واسع في الجنوب السوري، ولها الدور الأبرز في عمليات الاغتيال التي تشهدها المنطقة، وتطال شخصيات معارضة وأخرى تتبع لنظام الأسد من ضباط وعناصر.
ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أنه وفي أثناء السيطرة على منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي تسرب عدد لا يستهان به من مقاتلي “داعش” بين المدن والقرى في المنطقة، وفيما بعد انضووا بشكل أو بآخر ضمن التشكيلات المحلية العاملة في المنطقة.
ويتابع المصدر: “نوعية عمليات الاغتيال وتوقيتها والتفاصيل المتعلقة بها تقود إلى وقوف خلايا داعش ورائها”، وطرح المصدر مثالا على ذلك بعملية اغتيال طالت قيادي في فصائل المعارضة، العام الماضي، في ذات التوقيت الذي نفذ فيه القيادي المعارض عملية إعدام نفذها بحق مقاتل في داعش في عام 2018.
بدوره يشير الباحث حسن أبو هنية إلى أن داعش يمتلك القدرة البشرية والخبرة في هذه المناطق سواء في البادية وباقي المدن السورية، المتوترة أمنيا.
ويقول: “لديه على الصعيد المالي، وبحسب استخبارات الدول حوالي 100 مليون دولار، لكن بتقديري يمتلك أكثر من 300 مليون دولار، ولديه استثمارات بأسماء وهمية”، مضيفا: “لا يوجد لديه مصاريف كبيرة سوى المقاتلين وبعض العائلات، وقبل انسحابه الأخير من الباغوز كان قد ترك في مناطق شاسعة مخابئ للأسلحة والأموال”.
وعلى خلاف ما عمل عليه سابقا، يتابع الباحث أن خلايا داعش تتبع حاليا “التكتيكات المميتة” من خلال الكمائن والاغتيالات وبعض العبوات الناسفة، بعيدا عن استخدام التكتيكات السابقة.
وبالنظر إلى بدايات عام 2020 وحتى الآن، وبحسب الباحث فهناك وتيرة مرتفعة لعمليات التنظيم، وهي محسوبة وغير عشوائية، وبالتالي يتوقع المراقبون أن يكون هناك مزيدا من النمو مع بقاء المنطقة على ما هي عليه من توتر أمني، وغياب أي فرص للانفتاح السياسي.
المصدر: الحرة