على طريقة “العيديّة” التي ترافق كلّ استحقاقات تأليف الحكومات في لبنان، أوحى رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، بعد لقائه الثالث عشر مع رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا أمس، بأنّ “العدّ العكسي” لولادة الحكومة الموعودة قد بدأ، بعدما حصل “توافق” على أن تكون “هدية” للبنانيين في عيد الميلاد.
علامات استفهامٍ بالجملة طرحها موقف الحريري، الذي يقول البعض إنّه “فاجأ” الرئيس عون قبل غيره، أولاً لأنّ المهلة “الفاصلة” عن عيد الميلاد باتت تُعَدّ بالساعات وليس بالأيام، ما يعني أنّ المطلوب “معجزة” تتيح ولادة الحكومة خلالها، وثانياً لأنّ أيّ مؤشرات سابقة أو لاحقة للقاء لم توحِ بإحراز تقدّم “نوعيّ” يسمح بأيّ “مبالغةٍ” في التفاؤل إلى الحدّ الذي أوحى به تصريح الرئيس المكلَّف، بالصيغة التي خرج بها.
وإلى علامات الاستفهام، أضاف البعض علامات “استغراب” لتكريس خطاب “العيديّة” من قِبَل المعنيّين بتأليف الحكومة، في كلّ العهود والمناسبات، وكأنّ الحكومة “مِنّة” من المسؤولين إلى الشعب، الذي يكفيه ما يعانيه ويواجهه من مصائب وويلات، فيما هي في الواقع “واجبٌ أول” على المسؤولين، بل من “البديهيّات” التي يفترض أن تتمّ من دون نقاش، وبلا إعطائها أبعاداً لا تحتملها أصلاً.
“لا تقول فول”…
بالعودة إلى تصريح الحريري الذي كشف فيه عن لقاءات “متسارعة” بينه وبين رئيس الجمهورية، للخروج بتشكيلة حكومية قبل عيد الميلاد، فإنّ كل المعلومات تشير إلى أنّه بدا “مفاجئاً” لكلّ المعنيّين، الذين كانوا يتعاطون مع لقاء قصر بعبدا، على قاعدة “رفع العتب” ليس إلا، وبعدما حُدّد موعده بناءً على وساطة البطريرك الماروني بشارة الراعي.
ومع أنّ اللقاء استُبِق بمعلوماتٍ عن تقدّمٍ مُحرَز، ولو بقي “محدوداً”، على غرار الحديث عن موافقة الرئيس عون، ومن خلفه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل التخلي عن الثلث المعطل، الذي كان أحد العوائق الرئيسيّة في وجه التشكيل، إلا أنّ “التعويل” عليه لم يكن كبيراً، خصوصاً في ظلّ ما حُكي عن “مقايضة” على الحقائب، ولا سيّما الأمنيّة منها، أرادها “العهد” مقابل الثلث، بدت مرفوضة جملةً وتفصيلاً من جانب الحريري.
واستناداً إلى هذه المُعطيات، وما حُكي عن أنّ دوائر قصر بعبدا لم تكن في جوّ تصريح الحريري من قريبٍ أو بعيد، يدعو العارفون إلى التمسّك بالمقولة الشهيرة التي يكرّرها رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلّ المناسبات، ومفادها “لا تقول فول تيصير بالمكيول”، حتى لا ينام أحد على “حرير” إيجابيّة قد تكون حقيقيّة في جانبٍ منها، لكنها قد تكون “مصطنعة” في الجانب الأكبر، ولا سيما في التفاصيل التي جرت العادة أن تدخل “الشياطين” على خطّها.
ليست المرّة الأولى!
عموماً، يقول العارفون إنّها ليست المرّة الأولى التي “يتعمّد” فيها الرئيس المكلَّف بثّ أجواء إيجابيّة على خطّ التأليف، الأمر الذي يردّه البعض إلى “رغبة حقيقيّة” لديه بحسم ملفّ الحكومة، وعدم المراوغة والمماطلة أكثر، فيما يضعه البعض الآخر في إطار “تكتيكٍ” يعتمده للإيحاء بأنّ الأمور “مُنجَزة” عنده، لكنّ هناك في الطرف الآخر من يعمد إلى “العرقلة”، في غمزٍ من قناة الوزير باسيل تحديداً.
ويذكّر البعض في هذا السياق بما كان يتبع لقاءات الحريري الأولى في قصر بعبدا بعد التكليف، من تسريباتٍ وبياناتٍ رسميّة كانت تتقاطع على اعتماد “الإيجابية والمثمرة” في توصيف اللقاء، في إطار “المعايير الموحّدة” ربما، وهو الأمر الذي تكرّر حتى بعد اللقاء الثاني عشر الشهير، والذي تمّ خلاله تبادل تشكيلة وطرح مُضاد، قبل أن يتبيّن “زيف” إيجابيّته بالبيانات “النارية” غير المسبوقة بين بعبدا وبيت الوسط، والتي كشفت حقيقة ما كان يحصل في الكواليس منذ اليوم الأول للتكليف.
وعلى رغم أنّ تصريح الحريري “فَعَل فِعْله”، فانخفض سعر صرف الدولار على سبيل المثال بشكلٍ أوتوماتيكيّ في السوق السوداء، في مفارقةٍ مثيرةٍ للانتباه وربما الاستغراب، إلا أنّ “السلبيّة” غلبت على “الإيجابيّة”، استناداً إلى التجارب السابقة، خصوصاً في ظلّ مجموعةٍ كبيرةٍ من الأسئلة بقيت بلا إجابة، فعلى أيّ أساسٍ يوافق عون على التخلّي عن الثلث؟ وهل يقبل الحريري بمنحه الحقائب الأمنية؟ وهل “يغامر” بتكرار تجربة “الوزير الملك”؟ وهل تراجع عن “شرط” تسمية الوزراء بنفسه؟!
ليست المرّة الأولى التي يُحكى فيها عن “إيجابيّة” على الخطّ الحكوميّ، كما أنّها ليست المرّة الأولى أيضاً التي تتحوّل الحكومة إلى “عيدية”، وفقاً للرزنامة الظرفيّة، علماً أنّ أحداً لن يجد “حَرَجاً” في تحويل “العيدية” الموعودة من الميلاد إلى رأس السنة، وما بعد رأس السنة، بل ما بعد بعدها من مناسباتٍ قريبة أو بعيدة!