الحكومةُ اليوم… بكركي تَضمنُ الثلث المعطّل!

 

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

لقاءُ الساعةِ والرّبع بين الرئيسيَن ميشال عون وسعد الحريري في قصر بعبدا قلبَ الموازين الحكومية رأساً على عقب. تحوّلت السلبيات إلى إيجابيات فجأة. لا أحد ربما يعلم من أين أتت تلك الإشارات التي لها القدرة على تحويل الانطباعات من حالة إلى أخرى، أو السرّ الذي أدّى إلى حدوث هذه التبدّلات، الثابت الوحيد أن المعنيين بأمر التأليف “شربوا حليب سباع” وها هم في طريقهم إلى الاحتفال!

حينما كان يدور الحديث حول انبعاثات قلقٍ تُسيطر على جدار التأليف خرجَ الحريري ليقول أنه “سيخرج بصيغة حكومية قبل عيد الميلاد”. عملياً، الحريري وحده المسؤول عن كلامه كأنه يقول أن الحكومة اليوم أو غداً كأبعد تقدير. وقد وضع نفسه محل المساءلة في حال خلف بوعده. يفترض بهذه الحالة أن يخرج دخان التأليف في مدة أقصاها 48 ساعة، أو أقل، ولو إحتكمنا إلى حديث مصادر محيطة بـ”بيت الوسط” المفعم بالحيوية، لقلنا أن مسألة التأليف ناجزة وموعد ولادتها المفترض سيحصل اليوم في اللقاء رقم 14 المفترض حدوثه بين الرئيسيَن والذي تعتقد المصادر أنه “الاخير”.

أولى المؤشّرات الايجابية للخرق الحكومي ظهرت على مستوى سطح الدولار الذي انخفضَ تدريجياً منذ ساعة إعلان الحريري موقفه وإستمرّ خلال فترة الليل، وهو مؤشر اتخذه البعض كبوصلة للدلالة على جدية المؤشرات المنبعثة من بعبدا. مع ذلك، لا بدّ من الحذر، فالتجارب في مثل هذه الحالات غير مشجعة، وكانت تنهار الايجابيات بسرعة توازي سرعة صعودها.

في المقابل، هناك من يخفّف من السعرات الحرارية الإيجابية، حين يُمطر المستوى الحكومي بصليات من الأسئلة حول الأسباب والدوافع والخلفيات والإشارات التي ساهمت في قلب الأجواء فجأة. و بالاستناد إلى ذلك، تستخلص المصادر أن الإيجابيات “مصطنعة” بالارتكاز إلى خلو الجو الحكومي من أي مؤشر إيجابي واحد، وطالما أن الامر كذلك، تُصبح الايجابيات التي صرّح عنها الحريري معرّضة للشك.

على الطرف الآخر، ثمة من يشير إلى أن الحراك المكثّف الذي بدأ وعلى أكثر من خط ورعاه أكثر من طرف، روحي وسياسي وأمني وحزبي، أثمر جملة نتائج جرى التأسيس عليها من خلال التوصل إلى تفاهمات حيال مسألة التأليف كان لها أثر في “ترخية الحبال وفك عقد العرقلة”، لا سيما حراك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المكوكي ثلاثي الابعاد تجاه بعبدا – بيت الوسط – ميرنا الشالوحي، بالتزامن مع آخر قادَه حزب الله على مستوى بيت الوسط – ميرنا الشالوحي، وثالث رعاه اللواء عباس إبراهيم على خط بعبدا – عين التينة.

أفضت كل ذلك إلى تحريك أكثر من خيط في الملف. وعلى المقلب الدولي ثمة من يتحدث عن “ضغط فرنسي مرتفع” مورس خلال الأيام الماضية مستفيداً من الحراك اللبناني. وعلى ما أشيع من خلال مشتغلين على خط التأليف، ان “الضغط الفرنسي” ساهم بدوره في تحريك عجلة التأليف بعدما استغل نشاط البطريرك الماروني فإستفادَ من الوضع المستجد وآزر بكركي بمجموعة ضغوط تولى تنفيذها على أكثر من جانب، لا سيما على خط الرئيس المكلف سعد الحريري. وفي إعتقاد المتحركين على خط التأليف، أن “الدور الفرنسي أتى ليستغل، بالاضافة إلى العامل المحلي اللبناني، عاملاً خارجياً، أميركياً تحديداً، له علاقة بحالة الركود السياسي التي تعيشها واشنطن”، ففهم الفرنسيون أن هذه الفترة هي فترة لإعادة تنشيط توربيناتهم السياسية تجاه بيروت.

والفرنسيون اليوم، وعلى ذمّة مطلعين، “يتنفسون بعمق”. فما عوّل بعضهم على حدوثه من خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت ثم تهاوى فجأة على إثر إصابته بـ”كوفيد-19″، عاد ليتحقّق، علماً أن ذلك الرهان على الزيارة لم يعرض مرتكزاً إلى عوامل واضحة. فإلغاء الزيارة “مرحلياً” دفعَ بالأمور إلى الأمام “بمبادرة لبنانية” وأعادَ إحياء الهدف الفرنسي المتمثّل بتحفيز اللبنانيين على “إنقاذ بلدهم”، ولربما لو كان الرئيس الفرنسي قد حطّ في بيروت من المحتمل أنه لم يكن لينجز ما يعول على إنجازه اليوم.

مع ذلك، فإن أسس الاختراقة التي يجري الحديث عنها ما زالت مبهمة. فعلى أبواب الوساطة ثمة من يشير إلى حل تولى الراعي تخريجه وهو عبارة عن رفع لائحة تتضمن ثلاثة أسماء مسيحيين ليصار إلى الاتفاق بين الرئيسين على اختيار اسم واحد من بينها يُعد تقاطعاً بينهما ويرعاه البطريرك ويفترض أن يكون من حصة الحريري الذي سيتولى إعلان تسميته لكن مرجعيته عملياً تتموضع في بكركي التي باتت حالياً تشكل ضمانة العمل الحكومي وضمانة عدم إسقاط الحكومة.

الثابت الوحيد الذي يُمكن الحديث عنه بشكل مضمون الآن، أن الثنائي المسيحي “العوني” تخلى عن فكرة الثلث المعطل وعاد ليميل إلى تشكيلة من 3 ستات موزعة على 3 أطراف اساسية تمثل هيكل الحكومة، وبدل الثلث ظهر الحديث عن “عدالة التوزيع والتمثيل” التي سبق لرئيس الجمهورية وأشار إليها بعبارة “توازن المعايير”. على هذا الأساس، يظهر ان الاتفاق الذي يجري الحديث عنه تسري عليه قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”.

Exit mobile version