كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: تعود محركات تشكيل الحكومة اليوم الى الدوران بعدما نجح البطريرك الماروني بشارة الراعي في تزويدها بالطاقة الايجابية، وفي كسر الحواجز التي تعترضها، وإعطائها قوة الدفع اللازمة، حيث من المفترض أن يُعقد اللقاء رقم 13 بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري في قصر بعبدا لاستئناف البحث في التشكيلة الوزارية، على أمل أن لا يجسد الرقم 13 النحس ويمعن في تعطيل ولادة الحكومة.
مبادرة البطريرك الراعي التي خففت من الاحتقان وفرضت نوعا من “هدنة” سياسية عشية الأعياد، ترافقت مع وساطات بعيدة عن الاعلام قام بها حزب الله الذي حاول تقريب وجهات النظر باللتي هي أحسن، واللواء عباس إبراهيم الذي جال على القيادات بحثا عن قواسم مشتركة، وكذلك النائب جان عبيد الذي قام بمسعى خير مع المعنيين وأودع رئيس الجمهورية بعض الأفكار والاقتراحات التي يمكن من خلالها تدوير الزوايا.
كل تلك الوساطات والمساعي معطوفة على المبادرة الفرنسية التي تنتظر شفاء الرئيس إيمانويل ماكرون من فيروس كورونا لتستأنف من جديد، من شأنها أن تضع الرئيسين عون والحريري أمام مسؤولية وطنية كبرى في تشكيل حكومة إنقاذ تبدأ بالاصلاحات وتستعيد ثقة المجتمع الدولي، وتضع حدا لمآسي ومعاناة اللبنانيين على كل صعيد.
يمكن القول أن ما شهده الملف الحكومي من تدخلات ووساطات ساهم في إضعاف مطلب الحصول على “الثلث المعطل”، خصوصا أن البطريرك الراعي نقل عن رئيس الجمهورية عدم تمسكه به، وإستمع الى رفض مطلق له من قبل الرئيس المكلف، في حين لم يُفصح جبران باسيل عن رغبته بالحصول عليه، مغلفا تلك الرغبة بشعارات وحدة المعايير والمفاهيم وإحترام الميثاقية، علما أن فكرة الثلث المعطل لم تلق رواجا ضمن التيار الوطني الحر الذي شهد إنقساما في الآراء حول ضرورة التمسك به، خصوصا أن هذا الثلث سيكون حاضرا من خلال التحالف بين التيار وحزب الله، وبالتالي فإن الاصرار عليه للتيار وحده، قد يثبت الأخبار المتداولة عن زعزعة العلاقة بين الطرفين وإنعدام الثقة بينهما.
لذلك فإن اللقاء اليوم بين الرئيسين عون والحريري قد يبدأ من حيث إنتهى اللقاء السابق (رقم 12) لمناقشة الفوارق القائمة بين التشكيلتين اللتين تبادلهما الرئيسين، مع الحفاظ على معادلة الحريري القائمة على 18 وزيرا من دون ثلث معطل لأي من القوى السياسية، ما يفتح المجال أمام مقايضات في الحقائب الوزارية.
تشير المعطيات الى أن تخلي الرئيس عون والتيار الوطني الحر عن “الثلث المعطل” سيكون ثمنه الحصول على وزارات الدفاع والداخلية والعدل، وهو أمر قد يكون أصعب بالنسبة للرئيس الحريري وحلفائه من الحصول على “الثلث المعطل”، خصوصا أن ذلك سيجعل التيار البرتقالي قادرا على تحريك كل الملفات القضائية المتعلقة بالخصوم السياسيين تحت شعار محاربة الفساد، وهو اليوم يقدم نموذجا سيئا في هذا الاطار، من خلال إستخدامه بعض القضاء في تصفية حسابات سياسية، ما يعطي صورة عما يمكن أن يكون عليه الأمر في حال حصل التيار على الأمن والعدل.
لم يعد خافيا على أحد أن جبران باسيل يعمل كل ما بوسعه على تعويم نفسه سياسيا تحضيرا للمرحلة المقبلة، وهو حصل (بحسب مصادر سياسية مطلعة) على إستشارات عدة في هذا المجال، منها أن “تحسين صورته السياسية بات من المستحيل، لكن البديل هو العمل على تشويه صورة القوى السياسية الأخرى عبر إتهامات مختلفة من الفساد الى الهدر الى تبييض أموال الى قضية مرفأ بيروت”، ما يعني أن حصول التيار الوطني الحر على وزارات الأمن والعدل من شأنه أن يساعد باسيل على تحقيق ما يصبو إليه، وهذا ما لا يمكن للحريري والأطراف الأخرى القبول به.