ملاك عقيل – أساس ميديا
تجزم مصادر مطلعة على ملفّ التأليف الحكومي أنّ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي كانت مقرّرة اليوم إلى لبنان لم تكن لتشكّل خرقاً في جدار الأزمة الحكومية لسببين أساسيّين:
– الأوّل: لأنّ الزائر الفرنسي ما كان يحمل طرحاً متقدّماً يساهم في إنعاش المبادرة الفرنسية التي يؤكّد قريبون من الفريق الفرنسي أنّها شهدت انتكاسة حقيقية مع “تطيير” خيار مصطفى اديب.
– الثاني: بسبب ترابط العقد السياسية بين أزمة الحكومة والتدقيق الجنائي وفتح الملفات القضائية وتحقيقات المرفأ وتشريعات عالقة في مجلس النواب وارتفاع المتاريس من بعبدا الى بيت الوسط وصولاً إلى عين التينة… ما يصعّب كثيراً من مهمّة وسيط كان اختصر زيارته لساعات محدودة لم يكن من ضمنها عقد اجتماع مع ممثلي القوى السياسية. وربما الأهمّ: حقيقة وجود إلهاء داخلي يغطّي على واقع أن مشكل الحكومة خارجي وينتظر “الانتقال الكبير” للإدارة الاميركية من “عصر” دونالد ترامب الى إدارة جو بايدن!
هكذا تصبح الزيارة الـ13 اليوم للرئيس المكلّف سعد الحريري إلى بعبدا مجرّد جولة جديدة في سياق تحريك “طبخة البحص”. وهي تحصل في ظلّ مسعى من بكركي لتقريب المسافات بين بعبدا وبيت الوسط، وبعد دخول حزب الله على الخطّ، تزامناً مع حركة ناشطة قام بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم محاولاً التخفيف من حدّة الاحتقان بين الرئيس ميشال عون وجبران باسيل من جهة وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري من جهة أخرى. وتحرّك اللواء ابراهيم فرضه ما استجدّ من تطوّرات على صعيد فتح الملفات القضائية التي تحوّلت الى كرة ثلج فُرمِلت سرعتها في الساعات الماضية.
وقد ساعد في “تلطيف” جولات التوتر بين المقرّات دور الرئيس نبيه برّي في إقرار مجلس النواب قانون رفع السرّية المصرفية، لسنة واحدة، ربطاً بملفات التدقيق الجنائي، تجاوباً مع الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى المجلس.
وفي المعطيات أنّ الرئيس المكلّف تلقّى يوم الاحد اتصالاً من رئيس الجمهورية الذي دعاه إلى لقاء اليوم لاستكمال النقاش في التشكيلة الحكومية. الرئيس عون يفترض أنّه سيسمع جواباً محدّداً من الحريري عن “توزيعة الحقائب” التي سلّمه إياها خلال اجتماعهما الأخير. فيما أوساط الحريري تقول إنّ “الرئيس المكلّف قدّم ما لديه من تشكيلة وهو مستعدّ للنقاش حول الطرح الذي قدّمه وليسمع ملاحظات الرئيس عليه”.
ويقول مطّلعون إنّ “الموقف الذي أدلى به البطريرك الراعي من بعبدا حول الثلث المعطّل كان التطوّر الأبرز الذي يبني عليه الحريري إمكانية تحقيق خرق في جدار الأزمة، فيما يرصد في بعبدا نقزة واضحة من أداء الحريري، إن كان في عملية تشكيل الحكومة أو في مرحلة ما بعد التأليف”.
وحتّى الآن يصعب الجزم بأنّ “الحلحلة” التي قيل إنّها لفحت الملف الحكومي خلال الساعات الماضية ستكون كفيلة بتذليل أكثر من عقبة لا تزال مانعة لولادة الحكومة في ظلّ تأكيد قريبين من الرئيس عون أنّ “المسألة لا تتعلّق بثلث معطّل بقدر ضرورة تسليم الحريري بواقع تسمية وموافقة رئيس الجمهورية على كامل الأسماء المسيحية تماماً كما “الغطاء” الطبيعي الذي يفترض أن يمنحه لكلّ الوزراء في الحكومة. كما أنّ تشكيلة من دون حقائب وازنة لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي لن ترى النور”.
يضيف هؤلاء: “في التشكيلة التي قدّمها الحريري أعطى حقيبة الدفاع لرئيس الجمهورية فيما اختار الحريري اسماً مسيحياً للداخلية من دون منح عون حقّ تسمية سنّي في المقابل، كما ضمّ حقيبة العدل ضمن حصته وهذا توزيع مرفوض تماماً كما صيغة الثلاث ستات”.
ويختصر متابعون المشهد الحكومي بالآتي: “هناك أزمة ثقة عميقة بين طرفي التأليف لا يبدو أيّ وسيط قادراً على التخفيف من حدّتها، وتضاف إليها “عقدة” الحريري من أيّ دعسة ناقصة في ما يخصّ حزب الله قد تفتح عليه أبواب الغضب الاميركي، وربما هذا ما يفسّر اختيار إمرأة من قبله هي مايا كنعان لتكون من ضمن الحقيبتين الشيعيتين المحسوبتيّن من حصّة حزب الله. وحتّى لو سلّمنا جدلاً بولادة الحكومة اليوم فإنّ “تضارب” التوجّهات بين القوى المعنية سيحوّل الحكومة إلى حقل ألغام. إلا إذا افترضنا أنّ الراعي الفرنسي سيستحدث مكتباً له في السراي ليلعب دور شرطي السير منعاً لانفجار أي لغم!”.
وفي خلاصة السجال بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل حول المادتيّن 53 و64 من الدستور في شأن حدود صلاحيات رئيس الجمهورية في المشاركة بتأليف الحكومة، تقول مصادر في “المستقبل”: “المادة نفسها التي تقول إنّ رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة، تنصّ على أنّه يصدر مراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم. فهل هذا يعني أنّ رئيس الجمهورية عندما يصدر مرسوم قبول استقالة الوزراء لديه حقّ النقاش في استقالة الحكومة أو الوزراء أيضأ؟”، مشيرةً إلى أنّ “هذا يؤكّد أنّ عملية الإصدار منفصلة عن عملية التشكيل”.