لم يمثل مدير عام أمن الدولة طوني صليبا أمام المحقق العدلي فادي صوان في الموعد المحدّد لجلسة المواجهة مع الرائد الموقوف جوزيف الندّاف، كما تناقلت الروايات. فقبل إلغاء الجلسة وصل صليبا إلى قصر العدل وسط انتشار لعناصر أمن الدولة التي ترافقه، لكنّه بقي في سيارته يُجري اتصالاتٍ كان قد بدأها لضمان عدم توقيفه. وهو في السيارة، تبلّغ قرار المحقّق العدلي الاستمهال إلى حين البتّ بطلب التنحية، المقدّم من الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر.
فيما خصّ المواجهة بين صليبا والندّاف، علم “أساس” من مصادر متابعة للتحقيقات أنّ الغاية منها تحديد مسؤولية التأخّر في إجراء التحقيقات بين شهر كانون الأوّل 2019 وشهر أيّار 2020، والتأكّد من الحقيقة وسط تضارب الروايات بين صليبا والندّاف.
مضت خمسة أشهر منذ اكتشاف أمن الدولة وجود 2700 طن من النيترات شديدة الخطورة في العنبر رقم 12 في المرفأ من دون أن يحرّك ضباطه ساكناً. فمن يتحمّل المسؤولية؟
بحسب إفادة الرائد الندّاف أمام المحقّق العدلي، فإنّه بعد علمه بوجود مادة نيترات الأمونيوم، أبلغ رئيسه طوني صليبا عن الأمر، فطلب إليه مراجعة المستشار القانوني للجهاز القاضي د. ز. لمعرفة الجهة القضائية المعنية لمخابرتها.
ويروي الندّاف أنّه خابر القاضي، وبقي ينتظر الردّ حتى آذار 2020. في وقت دخلت البلاد في إجراءات مواجهة جائحة كورونا التي عطّلت المرفأ والقضاء بعد صدور تعميم من مدّعي عام التمييز بهذا الشأن. ويضيف الندّاف وفق المصادر أنّه عاود مخابرة القاضي فطلب إليه أن يُخابر مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في حينها بيتر جرمانوس، الذي أبلغ الندّاف بأنّ الموضوع ليس من صلاحيته، فعاد إلى المستشار القانوني لجهازه ليقف عند نصيحته، فطلب إليه مخابرة مدّعي عام التمييز. وهذا ما حصل.
في إفادة اللواء صليبا الأولى بصفته شاهداً أمام المحقّق العدلي، لم يذكر صليبا وجود مستشار قانوني للمديرية وأنّه هو من أخّر تحرّك الرائد الندّاف، إنّما اكتفى بالإدلاء بأنّه سلّم الملف إلى الندّاف للسير فيه.
هذا التضارب في الإفادات، نتج عنه استدعاء اللواء صليبا مرّة ثانية ولكن هذه المرة بصفة مُدّعى عليه أمام قاضي التحقيق. وخلال التحقيق معه عن أسباب تأخّر التحقيقات خمسة أشهر، سأله المحقق العدلي عن سبب عدم ذكره المستشار القضائي في إفادته كشاهد، فكان جوابه بأنّه لم يُسأل عن الموضوع.
اللافت في هذا السياق أنّ المحقّق العدلي لم يستدعِ المستشار القانوني لأمن الدولة القاضي د. ز.. ومثله باقي القضاة في هيئة القضايا وقضاء العجلة، الذين كانوا على صلة بملف المرفأ، فضلاً عن قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات وربما أيضاً قائد الجيش الحالي الذي مضى على تعيينه في منصبه 3 سنوات. وهو ما يطرح علامات استفهام.
فلماذا يحيّد القاضي صوان القضاة عن الاستجوابات؟
خصوصاً أنّ مراسلات عدّة وصلت إلى هيئة القضايا من وزارة الأشغال ومن مدير عام النقل البري والبحري، تطلب التخّلص من النيترات لما تشكّله من خطر على المرفأ والعاملين فيه. كذلك فإنّ قضاء العجلة تلقّى غير طلب من إدارة الجمارك ورُدّت الطلبات جميعها، لعدم اختصاص الجهة المرسلة، أي إدارة الجمارك. كذلك فإنّ محكمة التنفيذ في هيئة القضايا أصدرت قراراً منقوصاً بالكشف على حطام السفينة من دون ذكر المواد التي كانت بداخلها. وبحسب التحقيقات فإنّ الطلب المرفوع إلى محكمة التنفيذ تضمّن الكشف على حطام السفينة والمواد التي كانت تحملها، أي نيترات الأمونيوم. أيضاً تظهر المعطيات التي تكشّفت عن التحقيقات أنّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس تلقّى اتصالاً من الرائد الندّاف، وأجاب بأنّ المواد ليست من صلاحياته.
إلاّ أنّ القاضي جرمانوس وبعد الانفجار نفى في تغريدة له عبر تويتر أن يكون تلقّى اتصالاً بهذا الخصوص، وهو أمر، يثير الالتباس، ويسهل التثبّت بالعودة إلى داتا الاتصالات، لو أراد المحقّق العدلي ذلك.
المواجهة بين صليبا والندّاف أُرجئت إلى حين البتّ في طلب التنحية الذي تقدّم به الوزيران زعيتر وخليل لـ”الارتياب المشروع”، ويكونان عن غير قصد قد أنقذا صليبا من مواجهة محرجة ليست في صالحه، وتركا الندّاف ليكون كبش فداء عن رئيسه.