عارك ميشال عون على مدى أكثر من ربع قرن ولم يتعب. في الحرب وفي السلم وفي السياسة. خاصمَ من خاصم وحالفَ من حالف. ثم نُفي وعاد. وشيئًا لم ينتقص من شراسته وعناده وتوثّبه الدائم للمواجهة. هذا التوصيف لا ينطوي قطعًا على أيّ تأييد أو اختلاف، بقدر ما يُحاول أن يضع حدًّا فاصلاً في مسيرة هذا الرجل الذي قاتل بلا هوادة، وعلى كلّ الجبهات، وفي كلّ المعارك، بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وحين وصل، تملّكه النعاس، وغطّ في نومٍ عميق.
وللنوم هنا وجهان متوازيان ومتقاطعان. وجهٌ سياسي خبرناه جميعًا على مدى أربع سنوات من ولايته، حين بدا أنّ الرئيس غائب كل الغياب، وأنّ صهره هو الحاكم بأمره، وأنّهما معًا لا يمتلكان أّي تصور أو مشروع أو فكرة خارج إطار الكيديات والمماحكات والصغائر. أما الوجه الآخر، فهو ما نقله شهود وزوّار استطاعوا أن يعاينوا الرجل عن قرب، فلاحظوا أنّ نومه السياسي يتقاطع مع نعاس فيزيولوجي يطلّ برأسه خلال الاجتماعات، وهو نعاس يحمل صاحبه إلى الغفوة، على حدّ توصيف قناة “الجديد” في مقدمتها قبل أيّام نقلاً عن أربعة مصادر التقتهُ.
كان يمكن لميشال عون أن يكتب التاريخ على نحو مختلف. أن يترك بصمة مميّزة تبدأ منذ لحظة وصوله إلى قصر بعبدا وإعلان “أبوّته” لكل اللبنانيين، ولا تنتهي بممارسة دوره الطليعي ومسؤولياته الجسام. وهو دور محوري يتخطّى الصلاحيات والنصوص، إلى ما يشبه الروحية القصوى التي طالما طبعت وجه الرؤساء الكبار، أولئك الذين عرفوا أهمية لبنان في محيطه وفي العالم، وأدركوا أنّ رسالته الفريدة التي تجاوزت الحدود والخرائط، لا بدّ وأن تتجسد بمن يُشبهها في تميّزه وفرادته، فكان أن تشرّف بحملها ذاك الرئيس المسيحي الوحيد من سواحل الهند إلى شواطىء المغرب.
لكنّ الرجل ضرب بعرض الحائط كلّ هذه المعطيات والحقائق، وابتعد عن ممارسة دوره الوطني ومسؤولياته الهائلة، واختار أن ينام ملء جفونه بينما تعاني البلاد من أكبر عزلة عربية ودولة، وأعنف أزمة اقتصادية ومعيشية، فيما اقتصر دوره منذ اليوم الأوّل لولايته على العناد السياسي والدستوري، وعلى الانهماك بتعبيد طريق الرئاسة لوريثه وخليفته.
ما نكتبه الآن لا يستهدف النيل من الرئيس وقد ضعُف وتعِب وصار في شتاء عمره، ونحن جميعًا سنسلك هذا الدرب عاجلاً أم آجلاً. لكنّا نسعى إلى تمرير رسالة فائقة التهذيب وشديدة الوضوح، مفادها أنّ الغياب السياسي معطوفًا على النعاس المباغت، يعني حتمًا انعدام الكفاءة والقدرة على إدارة البلد الذي بات يرزح برمته فوق صفيح مشتعل، وبالتالي فمن الأجدى أن يبادر ميشال عون فورًا إلى تقديم استقالته، وأن يذهب بعدها، بكلّ محبة واحترام، ليرتاح وينام في بيته.