الوقت- شهدنا في السنوات الأخيرة تقلبات في العلاقات بين امريكا وتركيا، وتدخل واشنطن في الانقلاب الفاشل عام 2016، ورفض تسليم فتح الله غولن الذي كان سبباً لهذا الانقلاب لتركيا، الأمر الذي أشعل فتيل هذا التوتر بين البلدين، وفي العام ونصف العام الماضيين، تحولت قضية شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي S-400 من روسيا إلى نزاع خطير بين الجانبين.
حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الاثنين الماضي اضافة اسم “وزارة الصناعات العسكرية التركية” وأربعة من كبار المسؤولين في هذه المؤسسة العسكرية الى قائمة الأشخاص والكيانات الخاضعة للعقوبات من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، من أجل معاقبة تركيا لشرائها نظام صواريخ أرض – جو إس -400 من روسيا.
وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية الأمريكي مولود جاويشو هددا العام الماضي بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكورجيك، إلا أن المسؤولين الأتراك لم يعلقوا على هذا الشأن مع اعلان العقوبات الامريكية.
وبغية التحقيق في أسباب العقوبات الأمريكية على تركيا، تم اجراء مقابلة مع “فرهاد أونلو”، الكاتب والصحفي والمقدم الخبير في التلفزيون التركي. ويعد أونلو أحد كتّاب الأعمدة في صحيفتي يني شفق وديلي صباح، وفيما يلي نستعرض تفاصيل المقابلة وتحليله:
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على صناعة الدفاع التركية ورئيسها إسماعيل دمير وأربعة من موظفيها بحجة شراء نظام الصواريخ S-400 من روسيا. يقال إنه على الرغم من جهود ترامب في العامين الماضيين لمنع فرض عقوبات على أنقرة، فإن العملية مع الرئيس بايدن ستصبح أكثر جدية. كيف سيؤثر موضوع العقوبات على العلاقات بين أنقرة وواشنطن كدولتين لديهما تحالف مشترك في المنطقة؟
أونلو: أعلن ترامب أنه سيستخدم حق النقض ضد مشروع قانون العقوبات التركي. لكن مجلس الشيوخ الأمريكي أقر مشروع القانون بعد أن صوت مجلس النواب لمصلحته بثلثي الأعضاء.
لا ينبغي أن نعتقد أن ترامب أراد استخدام حق النقض ضد مشروع القانون لمجرد اهتمامه القوي بتركيا. أعتقد أنه أثار هذه القضية غالباً بسبب معارضته لحكومة بايدن.
قد تكون العقوبات التركية هي التحدي الأول لجو بايدن على صعيد السياسة الخارجية. وبشكل عام، سيتخذ ترامب موقفًا ضد بايدن حتى يوم حفل أداء اليمين، الذي سيعقد في 24 ديسمبر. ولهذا السبب سيحاول ترامب الحد من تأثير العقوبات على تركيا. نحن ننتظر أن يحدث هذا. إضافة إلى ذلك، فإن تركيا مستعدة لذلك.
هذه العقوبات كانت موجودة بالفعل وكما أشار إسماعيل دمير، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية، إلى وجود قيود في الممارسة من قبل؛ لذلك فإن تأثير هذا الحظر لن يكون كبيرا. وقال أيضا إن إدارة اللوجستيات والمشتريات في المنظمة المعنية لن تعاني كثيرا من هذا الحظر.
وبنظرة عامة على القضية يتبين أن هذه العقوبات ليست فقط لشراء تركيا نظام S-400، ولكنها مرتبطة أيضاً بنفوذ تركيا المتزايد في سوريا والقوقاز والمنطقة، فضلاً عن تحرك تركيا المستقل من الناتو.
ويُعزى سلوك أنقرة المستقل أيضا إلى أنشطة العضو المهيمن في الناتو، أي أمريكا ضد تركيا. ولهذا السبب، لا ينبغي أن تتعلق هذه المشكلة بشراء نظام الدفاع هذا فقط.
وفي حالة إسماعيل دمير، من الضروري أولاً وقبل كل شيء للقراء الإيرانيين أن يتذكروا قضية هالك بنك. حيث ألقت أمريكا القبض على محمد هاكان أتيلا، نائب المدير العام السابق لبنك هالك، وحكمت عليه بالسجن.
لكنه لم يعترف أمام المحكمة وعُين رئيسا لبورصة اسطنبول عندما عاد إلى تركيا. في حالة العقوبات تفعل أمريكا الشيء نفسه. أي إن الدولة تعتزم معاقبة الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة تريد العمل بشكل مستقل في الصناعات الاقتصادية والدفاعية تحت قيادة الرئيس التركي أردوغان.
أعتقد أن قضية هاكان أتيلا قد تتكرر. لقد وثقت تركيا كثيرا في امريكا في هذا الصدد، لذلك برزت قضية اعتقال هاكان أتيلا واحتجازه. أعتقد أن منظمة الصناعات الدفاعية التركية ستتخذ الإجراءات اللازمة.
في وقت سابق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه سيغلق قاعدتي إنجرليك وكورجيك الجويتين إذا فُرضت عقوبات عليها. هل مثل هذا الشيء ممكن؟ ماذا سيكون رد تركيا على العقوبات الأمريكية؟
أونلو: لكي نكون واضحين، في عقيدة “مصلحة الدولة”، فإن إغلاق قاعدتي إنجرليك وكورجيك يمكن أن يكون الملاذ الأخير للحكومة التركية ضد أمريكا.
لن تغلق تركيا هاتين القاعدتين العسكريتين بسهولة. إنجيرليك وكورجيك مثل الورقة الرابحة لتركيا ضد واشنطن، التي لا يمكن أن تستخدمها إلا مع تصعيد العقوبات.
كما تعلمون، فإن عقوبات كاتسا لها أبعاد مختلفة ويمكن تصعيد هذه العقوبات، فهذه مسألة تخص حكومة بايدن. لكن لا يبدو أن هناك عقوبات صارمة.
كان إغلاق إنجيرليك وكورجيك إحدى استراتيجيات تركيا كإجراء العمل بالمثل. لكن العقوبات الحالية لا يمكن أن تجبر أنقرة بإغلاق القاعدتين.
هناك مشكلة أخرى وهي طائرات F-35، التي أزالتها امريكا من برنامج الإنتاج المشترك مع تركيا فقد تكبدت تركيا الكثير من التكاليف لإنتاج هذه المقاتلات. فقد كانت واشنطن ظالمة في مسألة الطائرات F-35 واتخذت نهجا مزدوجا.
على سبيل المثال، تصدر امريكا طائرات F-35 إلى إسرائيل، في حين أنها لا تشارك في مشروع إنتاج F-35 وليست من أعضاء حلف الناتو، ومن ناحية أخرى، هناك قضية إرسال هذه المقاتلة إلى الإمارات أيضاً.
اتبعت أمريكا سياسة لا تتفق مع الدبلوماسية، لمجرد إثارة الغضب التركي.
كيف ستؤثر هذه العقوبات على الاقتصاد التركي؟
أونلو: فيما يتعلق بالاقتصاد بشكل عام، يجب القول أن الهيكل الاقتصادي لتركيا كان منذ فترة طويلة هشا. لكن تركيا، بالتحالف مع بعض دول المنطقة، مثل قطر وأذربيجان، اتبعت سياسة اقتصادية مواتية.
إذا تذكرنا بعض التهديدات الاقتصادية الأمريكية، مثل تغريدة ترامب في أغسطس 2018 التي تستهدف الاقتصاد التركي، يمكننا أن نرى أن أياً من هذه التهديدات لم يؤت بأي نتية لامريكا والان فهي تستهدف صناعة الدفاع التركية.
حققت صناعة الدفاع في تركيا تقدما جيدا في السنوات الأخيرة، حيث يتم العمل على تصديرها حالياً. إذا كانت العقوبات الأمريكية ضد تركيا في سياق صناعة الدفاع، فلن يكون لها تأثير كبير على اقتصاد البلاد. لكن إذا استمرت العقوبات على تركيا بأبعاد أخرى، فستضع الحكومة التركية خططًا لمواجهتها.
بعد نظرة عامة على الأحداث التي جرت على مدار العاميين الماضيين، يبدو ان الامر الذي يقض مضجع واشنطن لا يتعلق فقط بشراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400 لكنها أيضاً غير راضية عن العلاقات التركية الروسية. ما هو تحليلك؟
أونلو: نعم، هذا صحيح. لقد ذكرت هذا من قبل. لا تقتصر المعارضة الأمريكية على قضية S400 ، بل على تحالف تركيا الاستراتيجي مع روسيا، على سبيل المثال، تركيا لديها تحالف مع روسيا في سوريا وخاصة إدلب.
ومن الواضح جدا أن الناتو وامريكا غاضبون من عملية استانه. فمن غير المقبول بالنسبة لهم (أعضاء الناتو) أن يدخل عضو في الناتو في تحالف مع دول أخرى. لكن بمرور الوقت، نرى أن كلاً من الناتو وتركيا قد تغير؛ لا يمكن لحلف الناتو أن يتوقع تعاونا كاملاً من تركيا لأن العديد من أعضاء هذه المنظمة، وخاصة فرنسا، انتهجوا سياستهم الخاصة ضد تركيا.
إضافة إلى قضية العقوبات الأمريكية على تركيا، هناك همسات حول عقوبات أوروبية محتملة ضد أنقرة بسبب قضية شرق البحر المتوسط. لماذا لا تزال قضية شرق المتوسط دون حل؟ ماذا ستكون خطوة تركيا لكسر العزلة في شرق البحر الأبيض المتوسط؟
أونلو: اننا نشهد نوعا من الظلم في قضية شرق البحر الأبيض المتوسط ، ونقل القوات إلى جزيرة ميزس وموقف اليونان غير الدبلوماسي تجاه تركيا لا يمكن أن يستفز أنقرة. وفي غضون ذلك، شهدنا سلوك فرنسا المناهض لتركيا في كل من قضية شرق البحر المتوسط وقضية ناغورني كاراباخ. وخاصة أن باريس كانت تتحرك في اتجاه استفزاز يريفان.
لكن في شرق البحر الأبيض المتوسط ، سيكون هناك اتجاه لتقاسم الطاقة بين الحكومات، وسيؤثر تقاسم الطاقة هذا على سياسة الاتحاد الأوروبي وأمريكا تجاه تركيا.
الحقيقة هي أن تركيا أولت ذات يوم الكثير من الاهتمام للقيم العالمية من حيث الديمقراطية تجاه الاتحاد الأوروبي، ولكن اليوم في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي أو مع أي دولة أخرى، حتى العلاقات بين طهران وأنقرة، تحظى مصالح الحكومة بالأولوية على القيم.
وهذا الامر واضح في جميع البلدان. وبالنظر إلى أن دول شرق البحر الأبيض المتوسط تعمل وفقا لمصالحها الخاصة، فمن الطبيعي أن تلعب تركيا أيضا دورا في هذا السياق وفقا لمصالحها الوطنية.
لكن تركيز الحكومات على المصالح الوطنية لم يحل قضية شرق المتوسط. إذا قدمت كل من الحكومات تنازلات لمصلحتها، فإن مشكلة شرق البحر المتوسط ستؤتي ثمارها.