لا حكومة لأن إيران تنتظر
الصورة من فوق هي غيرها من تحت. من فوق، سيستمرّ لبنان، حكومة وأزمات، ورقةً بيد إيران التي تستعدّ بحذر لمرحلة ما بعد ترامب. ومن تحت، يقتضي تجميد لبنان في الثلاجة الايرانية تأخيراً في تشكيل الحكومة الإنقاذية. وأدوات هذا التجميد من عدّة الشغل التقليدية، الحصص المتنازع عليها والثلث المعطّل والمداورة، والى جانبها إغراقٌ في شلّ المؤسسات، والقضاء في رأسها.
إتصال السيّد حسن نصرالله بالسيد جبران باسيل لم يتناول المشكلة الحكومية ولا الإنهيار العام، ولا الجوع الذي يدقّ الأبواب، ولا حتى جائحة “كورونا”. بحث فقط في توطيد العلاقة بين الطرفين بعد العقوبات الأميركية، وهذا ما يستجيب لحاجاتهما، ويعكس أولوياتهما اللبنانية في هذه المرحلة، بعدما أشيع أنّ “حزب الله” مستاء للتأزّم في مسألة تشكيل الحكومة، وأنّه “أدار محرّكاته” للإسهام في إيجاد الحلول.
والواقع أنّ “الحزب” لن يدير محرّكاته الّا لحاجات تثبيت موقعه، وتوطيد الموقع التفاوضي الإيراني، وهو يعرف أنّ إشارة منه كافية لجعل ثلّة من القادة المتحالفين معه ينخرطون فوراً في إخراج الحكومة الى النور، ومن دون الحاجة الى تنظيرٍ ايديولوجي يتولّاه دولة الرئيس الفرزلي.
في الوقائع العملية، لم تحصل هذه الإشارة، واللجنة التي أقرّها نصرالله وباسيل ستبحث في بناء الدولة، والأرجح أن يُختصر هذا الشعار بتسمية من سيجري تنصيبه رئيساً للجمهورية بعد عامين، أما الحكومة فليست ضرورية ما دامت حكومة حسّان دياب موجودة، فإذا تلكّأت لسبب ما، يحلُّ مجلس الدفاع الأعلى مكانها، أما الدستور فيجري تطويعه كما في كلّ مرّة، في اعتبار أنّ الدساتير وُضِعت لِتُخْرَقْ.
ولدواعي التجميد الإيراني، يجري أيضاً إرجاء التفاوض على الحدود البحرية مع إسرائيل الى شباط، وحتى ذلك الحين يمكن تعبئة الفراغ بالدجاج المُقاوم…
وما يجري عندنا يجري ما يماثله في الجبهات الإيرانية الأخرى، أخذاً في الإعتبار الظروف الموضوعية والذاتية لكلّ موقع. في الخليج والبحر الأحمر تتجدد القذائف المجهولة – المعلومة ضدّ المواقع والخطوط النفطية، وفي العراق السيّئ الحظ، ينحدر البلد تحت ثقل الحشد ومتفرّعاته الى الإفلاس… وكلّ ذلك تمهيداً لاستكشاف ما سيطرحه بايدن وشركاه، في التفاوض مع الإيراني ومشروعه الشرق أوسطي.
يقول ممثّل ايران لدى المنظمات الدولية في فيينا كاظم غريب آبادي: “لن تنعقد مفاوضات جديدة حول الإتفاق النووي، وإحياؤه ليس بحاجة الى وثيقة منفصلة”.
وهذه هي طريقة إيران في التفاوض الآن. انها ترتهن ساحات المشرق للمقايضة مع عودة بلا شروط الى إتفاق أوباما، وقادة لبنان الدائرون في فلكها يؤدّون دورهم بأمانة، وكان ينقصهم غرفة عمليات إخبارية تتولّى توزيع التوجيهات، فهرع عدد من اللبنانيين الى لقاء في مقرّ وكالة “فارس” في طهران، وأنجزوا المهمة التي نقرأ ونسمع إبداعاتها يومياً.