عبد الكافي الصمد سفير الشمال
شكّلت إصابة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفيروس كورونا المستجد كوفيد 19، وفق ما أعلن أمس قصر الإليزيه، فرصة لتجنّب كثيرين الحرج الذي كان ينتظرهم في الأسبوع المقبل، وخفّفت عنهم الضغوط التي كانوا يحسبون حسابها بقلق.
ماكرون نفسه كان أحد هؤلاء الذين سيصابون بالحرج؛ فالرئيس الفرنسي كان قد أعلن أنّه سيزور لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، لهدفين إثنين: الأول محدد ومضمون النتائج يتمثل في زيارة تفقدية سيقوم بها إلى القوة الفرنسية العاملة في اليونفيل جنوب لبنان، والإحتفال مع أفرادها مقدّماً بعيدي الميلاد ورأس السنة؛ أمّا الثاني فهو غير محدد بعد، وضمانة نجاحه شبه معدومة، إذ يفترض لقائه مسؤولين لبنانيين للضغط عليهم من أجل تشكيل حكومة تعمل على تنفيذ بنود المبادرة الفرنسية، التي مضى عليها قرابة 3 أشهر … وبقيت حبراً على ورق.
فقد كان ماكرون يدرك، ومعه فريق عمله وكبار المسؤولين الفرنسيين ممّن تعاطوا بالملف اللبناني، أنّ زيارته المقبلة إلى لبنان، وهي الثالثة بعد زيارتيه إثر التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي، لن تقدّم ولن تؤخّر في الأمر شيئاّ، وسيكون مصيرها مثل مصير الزيارتين السابقتين، وأنّ كلّ كلامهم وصراخهم السابق واللاحق، في وجه المسؤولين اللبنانيين، ليس أكثر من صرخة في صحراء السّياسة اللبنانية، لن يكون له تأثير أكثر من الصدى الذي سيتردد في “فيافيها”.
من هنا أتت إصابة ماكرون بفيروس كورونا لتحفظ له بعض ماء وجهه وتنقذه من فشل ينتظره في زيارته اللبنانية الثالثة، بعدما أعلن قصر الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي وسواه من المسؤولين الفرنسيين المصابين بالفيروس سوف يحجرون أنفسهم لمدة أسبوع على الأقل، وأنّ ماكرون قد ألغى كلّ زياراته للخارج، ومنها زيارته إلى لبنان.
تأجيل زيارة ماكرون إلى لبنان “بفضل” إصابته بفيروس كورونا، اعتبرت بمثابة إعلان عملي عن “وفاة” المبادرة الفرنسية، علماً أنّها أُجهضت وباتت من الماضي منذ الأيام الأولى لطرحها، لأسباب عديدة، أهمها: إفشال الجانب الأميركي لها بعدما وضع العصي في دواليبها؛ ومقاربة ماكرون سطحياً للأزمة اللبنانية البالغة التعقيد؛ وتعاطيه مع المسؤولين اللبنانيين بعقلية “الوصي” عليهم وكأنّ البلد ما يزال حتى الآن تحت الإنتداب الفرنسي، برغم أنّ البلدين ـ لبنان وفرنسا ـ تغيّرا كثيراً منذ 100 عام وحتى اليوم، يوم ولادة دولة “لبنان الكبير” على أيدي الفرنسيين، فلم تعد فرنسا كما كانت، ولا لبنان بقي على حاله.
المسؤولون اللبنانيون، على اختلافهم، جاءت إصابة ماكرون بفيروس كورونا وإلغاء زيارته إلى لبنان، فرصة لهم لالتقاط الإنفاس، وإزالة الضغوط عنهم، وتجنّب إحراج كبير لهم أمام الفرنسيين واللبنانيين على حدّ سواء، بعد الكلام القاسي الذي قيل في حقهم من قبل ماكرون وفريق عمله؛ فالمبادرة الفرنسية أصبحت في حكم الماضي، وأضحى الحديث عنها مدعاة للسخرية، ووضعتهم زيارة ماكرون الملغاة أمام حقيقة أزمة بلدهم، وأنّها ستكون مفتوحة على كلّ الإحتمالات، جميعها سلبي وبالغ في التشاؤم، والخيارات امامهم هي بين المرّ والأمرّ، والسيّىء والأسوأ لما ينتظرهم في الأيّام المقبلة.