تحت عنوان: “قراءة في المشهد السياسي: إشتباك سياسي ـ قضائي والحكومة أسيرة الثلث المعطل”، كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: ثمة قراءتان لتأجيل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان بسبب إصابته بفيروس كورونا كما أعلنت دوائر قصر الأليزيه.
الأولى إيجابية، بأنها جاءت لمصلحة لبنان بمنح المعنيين بتأليف الحكومة فرصة إضافية للتوافق، خصوصا أن الزيارة كان محكوما عليها بالفشل، ما يعني دفن المبادرة الفرنسية والحكومة معا، في حين أن التأجيل سيفتح المجال أمام مزيد من الاتصالات معطوفة على ضغط فرنسي جديد يسبق الزيارة التي قد يقوم بها ماكرون بعد شفائه.
والثانية سلبية، تقول بأن كورونا أنقذت ماكرون من إحراج كبير كان سيُضعف صورته كرئيس دولة عظمى أغرق نفسه في الأوحال اللبنانية، وأن عدم مجيئه الى لبنان يعني إنتهاء المبادرة الفرنسية ومقاطعة السلطة السياسية وحصر الاهتمام بالشعب اللبناني عبر الجمعيات وهيئات المجتمع المدني.
في غضون ذلك، إختلط “حابل السياسة بنابل القضاء” على خلفية قضية إنفجار مرفأ بيروت، من الحديث عن إستهداف موقع رئاسة الحكومة عبر الادعاء على الرئيس حسان دياب وما تخلله من تضامن سني مع الرئاسة الثالثة ومن زيارة مفاجئة للرئيس المكلف سعد الحريري الى السراي الحكومي متضامنا مع دياب وقاطعا الطريق أمام إستدعائه أو الادعاء عليه من قبل المحقق العدلي فادي صوان كونه كان في سدة المسؤولية خلال تواجد “نيترات الأمونيوم” في العنبر رقم 12، الى الهجوم السياسي على القاضي صوان على خلفية إدعائه على الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر اللذين طلبا من محكمة التمييز نقل القضية من تحت يده “للارتياب المشروع”، بعد إتهامه “بمصادرة صلاحيات المحكمة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وبمخاطبة مجلس النواب مباشرة من دون العودة الى مجلس القضاء أو وزير العدل، إضافة الى التعمية والمحاباة وعدم الموضوعية وعدم الحيادية والاستعراض وتنفيذ الاجندة السياسية”.
كل ذلك، أدى الى زعزعة موقف المحقق العدلي صوان الذي تراجع عن إستدعاء الرئيس دياب، وقام بتأجيل المواجهة التي كانت مقررة أمس بين اللواء أنطوان صليبا والرائد جوزيف النداف، ما قدم صورة واضحة وفاضحة عن تدخل السياسة في القضاء، حيث تشير مصادر مواكبة الى أن ما يحصل من إدعاءات ومن مواجهات وتجاذبات قضائية، أمنية وسياسية يهدف الى “تكبير الحجر” لكي يصعب حمله، ولكي لا يصيب أحدا، وبالتالي تمييع هذه القضية وإبعادها عن الرؤوس الكبيرة المتورطة بهذا الملف سياسيا وأمنيا.
حكوميا، توقفت عجلة التأليف عند اللقاء رقم 12 في قصر بعبدا الذي تبادل فيه الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري التشكيلات الحكومية، حيث أصرّ الأول على تشكيلة تلبي رغبات جبران باسيل وتتضمن “الثلث المعطل” ناسفا صيغة الرئيس المكلف الذي قدم بدوره تشكيلة قال إنها من الاختصاصيين غير الحزبيين وفيها أربعة وزراء مسيحيين من أصل تسعة إختارهم من اللائحة التي تسلمها من الرئيس عون.
تشير المعطيات الى أن الحكومة اليوم باتت أسيرة “الثلث المعطل” الذي يتمسك به عون وباسيل، إنطلاقا من قناعتهما بأن هذه الحكومة ستستمر حتى نهاية العهد وأن عدم حصولهما على “الثلث المعطل” سيجعلهما خارج المعادلة السياسية وسيجعل الحكم في يد الحريري وحده، وهذا ما لن يقبلا فيه على الاطلاق ولو أدى ذلك الى إستمرار الفراغ الى نهاية العهد.
هذا الاصرار دفع الحريري للجوء الى بطريرك الموارنة بشارة الراعي شاكيا “التعطيل الرئاسي” وطالبا المساعدة، حيث تشير مصادر مواكبة للقاء الى أن الراعي وعد الحريري ببذل المساعي لتذليل العقبات، ومن المنتظر (بحسب المعلومات) أن يزور رأس الكنيسة المارونية قصر بعبدا للقاء الرئيس عون والعمل على تقريب وجهات النظر، أو ربما ينتظر زيارة عون الى الصرح البطريركي في عيد الميلاد حيث يعقد خلوة معه للبحث في الشأن الحكومي.
ترى مصادر سياسية مطلعة، أن تأجيل زيارة ماكرون الى لبنان لاصابته بفيروس كورونا، سيعطي البطريرك الماروني متسعا من الوقت لانجاز المهمة التي أخذها على عاتقه، فإذا نجح في تدوير الزوايا والوصول الى قواسم مشتركة بين عون والحريري يفتح الباب أمام زيارة ثالثة لماكرون مكللة بالنجاح وبتشكيل الحكومة، وإذا لم ينجح في تليين المواقف المتصلبة يخدم بذلك ماكرون الذي يكون قد “نفد بجلده” من التدخل في بلد مثل لبنان.
المصدر: غسان ريفي – سفير الشمال