راكيل عتيِّق-الجمهورية
اتهامات مفتوحة، أغلقت أبواب التواصل بين القصر الجمهوري و»بيت الوسط»، وأوقفت مسار التأليف، مُجمّدةً الوضع الحكومي، وما بعد الحكومة من إصلاحات ومساعدات مرتقبة.
إنقضى الاثنين الفائت مُغلقاً وراءه باب التأليف، الى حين يطرأ أي تبديل في موقف كلّ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، أو حراك لـ»وسطاء الخير» على خط «الصلحة» وإعادة التأليف الى مساره الدستوري. وتقول مصادر مطلعة إننا أمام 3 احتمالات:
– قد يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يزور لبنان الاسبوع المقبل، هو «الوسيط» أو «الولي»، ويتمكّن من تعويم مبادرته.
– قد يتدخّل «وسطاء» الداخل «ذهاباً وإياباً» بين القصر الجمهوري و»بيت الوسط»، وينجحون في التوفيق بين الرجلين.
– قد لا تحصل أي وساطة، وقد لا ينفع أي حراك، ويبقى التأخير سيد الموقف في انتظار العامل الخارجي لاستيلاد الحكومة أو حتى لإعادة «تكوين» البلد.
لكن على رغم التراشق بالاتهامات «الثقيلة» بين رئاسة الجمهورية والرئيس المكلّف، ترى مصادر مطلعة على عملية التأليف «أننا لم نصل الى نقطة اللارجوع بين عون والحريري بعد»، بل على العكس، تعتبر أنّ «هناك إيجابية واحدة من حرب البيانات هذه، وهي أنّ «بعض النقاط كان يحتاج الى توضيح بعد أن كان هناك التباس حوله. وحصل التوضيح من الجهتين». وتقول: «باتت الأمور مكشوفة أمام الرأي العام والجميع، لعلّ هذه البيانات توضِح كلّ النقاط التي كانت موضِع التباس، وتؤدّي الى الوصول الى حلّ وسط بين المعطيات المطروحة من الجهتين».
هذا الحلّ يتطلّب خرقاً للجمود الحاصل، لكي يتحرك ملف التأليف مجدداً، وهذا هو المخرج الوحيد، بحسب مراقبين، فإذا «بقي كلّ طرف على «متراسه» فمعنى هذا أننا لن نصل الى الحكومة المطلوبة. لذلك لا بدّ من خرقٍ ما في مكان ما». وتُعوّل مصادر معنية بالتأليف على تحرُّك الوسطاء المعتادين التقليديين، مثل نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي أو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أو غيرهما من الذين «يذهبون ويجيئون» للمساعدة في تحريك مثل هذه الملفات حين تتعقد، وذلك بعد أن يخفّ التشنّج الذي نَشأ بين عون والحريري خلال الساعات الماضية، فيجري العمل على تقريب وجهات النظر وفق معطيات كلّ من عون والحريري، والجمع بينهما.
وفي حين لا يرى معنيون أنّ هناك أملاً كبيراً في تحرك أو حلحلة ما قبل وصول ماكرون الى بيروت الثلاثاء المقبل في 22 كانون الأول الجاري، ينتظرون إذا كان الرئيس الفرنسي يحمل معه مبادرة ما في هذا الإطار، خصوصاً أنّ برنامج زيارته النهائي لم يتحدّد بعد، فيما أنّه يتضمّن موعدين ثابتين، زيارة مقر «اليونيفيل»، ولقاء عون في القصر الجمهوري في 23 الجاري، حيث وصلت مفرزة سبّاقة فرنسية لتنظيم الزيارة كما تجري العادة للتنسيق مع الجانب اللبناني بروتوكولياً وأمنياً.
وفي «الوقت الضائع»، لا جديد لدى القصر الجمهوري أو «بيت الوسط» لإضافته الى ما ورد في البيانات الأخيرة «المتراشقة» بين الفريقين. وفي حين يصرّ الحريري على أنّه ملتزم المبادرة الفرنسية وأنّ التشكيلة الوزارية التي قدّمها الى عون تأتي وفق متطلبات هذه المبادرة، فإنّ رئيس الجمهورية ليس بوارد القبول بهذه التشكيلة. ويؤكد قريبون من عون «أنّه أكثر من يضحي وأكثر من يسعى الى التأليف. لكن لا يجوز استغلال استعداد الرئيس للتضحية لاستثماره لصالح أفرقاء آخرين. فالرئيس وضعَ معايير لا تزعج أحداً، لكنه لا يُمكن أن يقبل بالتفرّد، الأمر المخالف للدستور الذي ينص بوضوح على أنّ تأليف الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف».
وتوضح مصادر القصر الجمهوري أسباب رفض عون تشكيلة الحريري كما هي، كالآتي:
– الحريري قدّم تشكيلة فيما أنّ الرئيس عون «ما معو خَبرها»، ولم يتشاور معه حولها.
– ليستة الاسماء التي قال الحريري إنّ عون قدّمها، كان الرئيس قد عرضها من باب الاستئناس والتشاور وللدلالة على أنّ المواصفات المطلوبة تنطبق على أصحابها، إلّا أنّه لم يتبناها.
– لا عدالة في توزيع الحقائب على الطوائف، حيث هناك غبن للمسيحيين، ما لا يُمكن أن يقبله رئيس الجمهورية، لأنّ هذا هو الواقع وهذه تركيبة البلد.
– تسمية الوزراء، لا سيما المسيحيين منهم، من دون التفاهم مع عون، فيما أنّ هؤلاء الوزراء سيعملون مع رئيس الحكومة كما سيعملون مع رئيس الجمهورية أيضاً، ولا يجوز أن يؤتَى بوزراء لا يعرفهم الرئيس ولا يعرف شيئاً عنهم، وعدم إمهاله للسؤال عنهم وعن ماضيهم. وفي هذا الإطار، وفي اللائحة الوزارية الأولى التي قدّمها الحريري، جرى الاستفسار عن بعض الأشخاص الذين طُرحت أسماؤهم وتبيّن أنّ هناك ما يمنع أن يكونوا وزراء، مثل «سُمعةٍ» غير جيدة أو ممارسات معينة».
وبالتالي، ما زال عون على موقفه، رافضاً أن يفرض الحريري عليه تشكيلة وزارية قبل التشاور على الأسماء الواردة فيها. موقف عون هذا تؤيّده جهات عدة، علناً أو ضمنياً، إذ دستورياً وكما جرت العادة، إنّ عملية التأليف تتم بالتشاور والتفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وهذا الذي حصل بين عون والحريري في حكومتي الحريري السابقتين اللتين ولدتا نتيجة تفاهمهما. وعلى رغم أنّ «انتفاضة 17 تشرين»، وانفجار 4 آب، والانهيار شبه التام، وسخط اللبنانيين على السلطة بكاملها، إضافةً الى المبادرة الفرنسية التي أُجهِضت وعُرقلت، كلّها عوامل تفرض تغييراً في أي نهج مُعتمد سابقاً، يؤكد معنيون أنّه لا يُمكن تأليف حكومة من دون تفاهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف عليها، وهذا التفاهم لا يعني أنّ الحكومة لن تكون وفق متطلبات المبادرة الفرنسية.