«اللي بجَنبو مسلّة بتنعَروا»!
التسريبات عن دور الحكومات الغربية في رعاية «الأنشطة المدنية التغييرية» ليست جديدة. والمعلومات المتداولة كثيرة حول أدوار تفصيلية تقوم بها هذه الجهة أو تلك. وفي كل مرة، يلجأ المشار اليهم بعنوان «المتعاونين» مع هذه الجهات الدولية الى الاحتجاج، بعد إشهار ما يخص «تعاونهم»، سواء على شكل محاضر اجتماعات جرت معهم (وثائق الخارجية الاميركية)، أم على شكل خلاصات وتوصيات تشير الى أدوارهم (وثائق السعودية والامارات). مع ذلك، يمارس هؤلاء دفاعاً فيه حياء من يشعر بأنه بات من دون غطاء، إلى درجة تستحق الشفقة، كما هي حال معارضين سوريين (تحولوا إلى أدوات في معركة تدمير الدولة والمجتمع في سوريا) امتنعت «الأخبار» – عن سابق تصميم – عن نشر ما يتعلق بـ«تعاونهم» أيضاً، رغم أن تفاصيل ذلك باتت مباحة على موقع «ويكيليكس»!
لكنَّ ثمة أمراً غريباً يحصل منذ أيام في بيروت. لم تنشر «الأخبار» سوى الاطار العام للوثائق المسرّبة من جهات بريطانية حول برامج الدعم التي قدمتها حكومة صاحبة الجلالة الى «المتمردين» في لبنان. ما نُشر لا يُقارن بما نُشر سابقاً حول البرامج نفسها في سوريا، ولا يمثّل سوى رأس جبل الجليد في ملفات موثّقة، بصورة رسمية وغير رسمية، حول تفاصيل العمل البريطاني المستمر في لبنان منذ عقدين على الاقل، مع حرارة أعلى منذ نحو عقد. مع ذلك، ثارت ثائرة «صبية السفارة» ممن استشعروا «خطر» الكشف عن صلاتهم العميقة بهذا المشروع، وبادروا الى حملة ردود لها عنوان واحد: إذا كنا متّهمين بالعمالة للغرب، فأنتم عملاء لإيران… ما يعني عودة من جديد الى لعبة الأشقياء المحبّبة والتي لها عنوان واحد: «بيّي أقوى من بيّك»!
حقيقة الأمر تكمن في أن هذه المجموعات وعدت مشغّليها بكثير من الانجازات. أساساً، لم تتحمّل رؤوس هؤلاء أورام 17 تشرين عندما تخيّلوا أنفسهم أمام قصر الشتاء في لينينغراد، وهم الذين لم يتقدموا مرة واحدة صفوف الشباب المحتج. بل كانوا يتكلون، طوال الوقت، على «أطفال اليسار» أو «فقراء الضواحي وطرابلس». وإلا، هل في ذاكرة أحد خبر عن اعتقال أحد هؤلاء أو توقيفه أو ضربه من قبل جلاوزة السلطة؟ لم يحصل ذلك… ولن يحصل، لأن هؤلاء الصبية تعلّموا وتدرّبوا ليتولّوا إدارة البلاد، ولكي يُطلّوا منظّرين على الشاشات، خصوصاً «شاشات الثورة» التي اهتمت بها مشاريع صاحبة الجلالة ايضاً، تماماً كما تهتم بها اليوم مشيخة الامارات العربية المتحدة أو برنامج الدعاية الاميركية؛ إذ لم يعد سراً ما تدفعه دولة الامارات والولايات المتحدة لقنوات «الجديد» و«مر تي في» و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» مقابل خدمات التحريض ضد حزب الله، حيث أمكن، وضد حلفاء الحزب، حيث يجب. ولن تكون مقدمة نشرة أخبار «الجديد» المليئة بالقبح والحقد والسفالة تجاه الرئيس ميشال عون، قبل يومين، آخر الأنشطة الثورية لهذه الموبقات الموجودة على شكل هياكل خراسانية أو بشرية!
المهم أن هؤلاء «الصبية» انزعجوا من فتح الملف فقط. وهم في حال قلق من المستور الذي لم يكشف بعد. وربما يدرسون، الآن، كيفية إعادة النظر في حساباتهم، لأنه عندما تُنشر أرقام الاموال التي حصلوا عليها، ستطرح الاسئلة في دوائرهم الضيقة، وعندما تُنشر البرامج سيسأل القريبون منهم عن حقيقة ما أنجز. إلا أن هذا القلق لم يجعل توترهم يقتصر على الهجوم الأعمى دفاعاً عن أنفسهم، بل دفعهم الى قطع «شرش الحياء»، لأنهم وجدوا أنه لم يعد هناك من داع للتبرؤ من الانتماء الطوعي الى مشروع له هدف واحد أحد: ضرب المقاومة في لبنان، سواء كان ذلك عبر تدمير الدولة بحجة مكافحة الفساد، أم تدمير المؤسسات بحجة أنها خاضعة لسيطرة حزب الله، وشن حملة إعلامية بأدوات مختلفة تحت عنوان الدفاع عن الحريات، من «تمكين المرأة» و«حقوق المثليين» الى «إدارة النفايات الصلبة» وتقليص حجم القطاع العام بحجة تطهيره من حشو أزلام السلطة.

ما نُشر حول تفاصيل العمل البريطاني في لبنان لا يمثّل سوى رأس جبل الجليد في ملفات موثّقة

هؤلاء الصبية لا يهتمون لبقاء شيء في لبنان، ويظهرون استعدادا لتدمير صروح من داخلها. ترى، مثلاً، كيف يتصرف «العلمانيون» الذي حصدوا الحكومة الطلابية في الجامعة الاميركية مع خطط فضلو خوري وبرامجه لتدمير الجامعة وتفريغها من أصحاب الرأي الآخر وإبعاد الخبرات الجدية ودفع كثيرين الى الهجرة، بحجة تقليص النفقات، وهو الذي لم يقل لنا ما هو حجم التبرعات التي حصلت عليها الجامعة لترميم ما دمره انفجار المرفأ من زجاج فيها. هل لأحد أن يسأل عن الرقم؟ ما يقوم به خوري في هذه المؤسسة بات يرقى الى مصاف التآمر على تدمير صرح كبير، لأنه صار واحداً من مجموعة تعتبر أن بيروت لا تستحق مؤسسة لها سمعة أكاديمية مقبولة، إلا في حال صمتنا عن سوء سمعتها الأخلاقية والسياسية، وامتنعنا عن التدقيق في طريقة إدارتها اليومية لشؤون العاملين فيها، علماً بأنه في الوقت نفسه الذي قرر فيه رفع الاقساط بنسبة 160 في المئة، وهو يعرف أن النتيجة تعني إبعاد ثلث الطلاب من ذوي الاصول الاجتماعية المتوسطة، أطلق معركة في وجه العاملين بعقود مع الجامعة (غير المتفرغين)، أي ممن لا يتقاضون راتباً شهرياً مع بدلاته وضرائبه. فوضع ميزانية لهم تجعل عملهم أقرب الى السخرة، صارفاً لهم زيادات لا تتجاوز قيمتها ثلاثين دولاراً، فيما يوقّع عقوداً خاصة لمن يعملون على العلاقات العامة بآلاف الدولارات الطازجة شهرياً. أكثر من ذلك، فقد قرر تعديل آلية احتساب مداخيل العاملين لديه من حملة الجنسية الأميركية، بقصد رفع نسبة الضريبة على دخلهم، والنتيجة، أنه يحتسب الدخل على أدنى سعر للصرف، بينما يدفع للحكومة الأميركية ضرائب أكبر… لكن بالدولار الطازج نفسه.
«صبية السفارة» هؤلاء «يصادف» أنهم تلامذة وأساتذة ومتعاونون ومتعاملون وخبراء في «دكانة فضلو خوري وشركاه». وهؤلاء يريدون اليوم نقل المواجهة الى مستوى جديد، لكنهم لا يزالون يخشون إشهار علاقتهم بالغرب الاستعماري، ويرفضون الإقرار بأنهم يعملون عنده وفي خدمة أهدافه. ولو كان بينهم من يملك شجاعة القول لخرج علينا ليقول: نحن أحرار في اختيار الدولة التي نتأثر بأفكارها، وفي اختيار الجهات والحكومات التي نعمل وفق برامجها، وفي تلقّي الأموال من دون الحاجة الى شروحات أو توضيحات أو تبريرات.
لكن مهلاً. هل تعتقدون أنكم إذا رفعتم صوت صراخكم فستوقفون عملية فضحكم، أو أن ذبابكم الإلكتروني قادر على غسلكم من عار التآمر على أبناء بلدكم والمشاركة في ارتكاب أفظع الجرائم في حقهم، والتورط في أكبر عملية إعداد لأكبر عدوان وحشي يعدّ له الغرب على لبنان، أو أن كل برامجكم عن محاربة الفساد والدفاع عن الحريات ستؤهلكم لقيادة البلد… اللهم إلا إذا كان ارتفاع معنوياتكم سببه رأفة «أهل الأمر» بكم، أو لأنكم تشعرون بـ«وهم القوة» لأن مموّليكم في عواصم القبح قد أشهروا علاقتهم مع العدو؟
مشكلتكم أنكم مجرد صبية. لكن لم يتح لكم اللعب في أحياء طبيعية. لذا لا تجيدون الركل ولا حتى السباب. كل ما تعرفون القيام به، هو تقمّص شخصية الرجل الأبيض الذي حبذا لو تجيدون سماعه في تقييم أحوالكم كمجرد فقراء العقل وحقيري الأنفس!