الجيش العراقي أطلق سلسلة عمليات عسكرية لقطع الطريق على عودة داعش (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – جهاز مكافحة الإرهاب)
عاود تنظيم داعش نشاطه بشكل فعّال في مناطق مختلفة من محافظة نينوى، خصوصاً مناطق غرب المحافظة التي تقع على امتداد الحدود العراقية – السورية المشتركة، وتعد أحد ممرات دخول عناصره إليها، ومنطلقاً لهجماته الأخيرة على الأجهزة الأمنية بالبلاد.
وتبدو مساحة هذه المناطق الواسعة وامتداداتها لمنطقة الجزيرة، التي ترتبط مع محافظة الأنبار غرب البلاد، أمراً يصعب السيطرة عليه من دون عمليات عسكرية متواصلة، ومراقبة للحدود المشتركة مع سوريا، التي على الرغم من حديث الجهات الأمنية عن ضبطها، ونشر آلاف المقاتلين عليها من حرس الحدود والجيش العراقي، إلا أنها لا تزال تمثل معبراً مهماً لعناصر “داعش”، للدخول إلى الأراضي العراقية.
وعلى الرغم من الدعم الجوي للتحالف الدولي للأجهزة الأمنية العراقية في عملياتها العسكرية ضد عناصر “داعش” في هذه المناطق، فإن تعدد هذه القوى من الجيش والحشد والشرطة والبيشمركة جعلها في بعض الأحيان غير مؤثرة، خصوصاً في ظل أجواء عدم الثقة بين هذه الأطراف، التي تعود إلى عمليات فرض القانون عام 2017، حين استعادت القوات العراقية غالبية الأراضي المتنازع عليها من حكومة إقليم كردستان.
دهم قاطع دجلة
لكن هذه العوامل والظروف لم تمنع قيادة الجيش من إطلاق سلسلة من العمليات العسكرية في هذه المناطق للحد من تحركات عناصر “داعش”، كان آخرها قبل أيام عدة، خلال عملية أطلق عليها “السيل الجارف”، استهدفت قيادات بارزة في التنظيم، بحسب المتحدث الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول.
وقال رسول، في بيان، “إن قوة من مكافحة الإرهاب دهمت ما يسمى قاطع دجلة الذي تنشط فيه عصابات داعـش الإرهابيـة في منطقة عين الجحش جنوب مدينة الموصل، بعد جهد فني ومعلوماتي لاستخبارات جهاز مكافحة الإرهاب”.
وأضاف أن عناصر الجهاز اشتبكوا مع من وصفهم ببقايا عناصر العصابات الإرهابية ليومين متتالين، مما أجبرهم على العودة إلى الأنفاق والكهوف التي يتحصنون فيها، مشيراً إلى قيام القوات العراقية باقتحام المواقع وحدوث اشتباكات عنيفة مع عناصر التنظيم الإرهابي داخل الأنفاق.
وأوضح رسول أن العملية أسفرت عن مقتل 42 عنصراً من “داعـش”، بينهم ما يسمى والي قاطع دجلة المكنى بالبراء، ونائبه المدعو أبو محمود، والمسؤول الإعلامي لقاطع دجلة المدعو أبو سياف مع مساعده سجاد، وعسكري قاطع الفاروق أبو سيناء، فضلاً عن العثور على عدد من الأسلحة والعتاد المتنوع، ومبالغ مالية محلية وأجنبية داخل مقار العصابات الإرهابية.
تقليل نفوذهم
العملية التي جاءت بدعم وإسناد طيران التحالف الجوي ومروحيات الجيش العراقي، يرى متابعون للشأن الأمني أنها كانت ضرورية للتخفيف من هجمات التنظيم على الطرق العامة، ومنع إقامة كيان جديد لهم في هذه الأماكن.
ويرى الخبير العسكري سرمد البياتي، أن العملية جاءت بجهد استخباراتي على مناطق نفوذ “داعش” غرب الموصل، المعروفة باحتوائها على كهوف ومناطق وعرة. ويضيف، “هذه المناطق كانت منطلقاً لعناصر داعش على القطاعات الأمنية مما تسبب في أذى كبير”، لافتاً إلى أن المنطقة كانت تضم نفوذاً للتنظيم، ولها تأثير في قواطع أخرى، إلا أن العمليات الاستخبارية أوجدت هذه الأوكار.
ويتوقع الخبير العسكري أن تؤدي نتائج العملية إلى التقليل من الخسائر التي سببها “داعش” للمنطقة، لا سيما في الطرق، وستقلل نفوذه الذي صار يؤثر في عدد من القواطع المجاورة.
ويستبعد البياتي أن تنهي العملية وجود داعش في المنطقة، بل سيقلل من الضرر الذي تسببه عناصره، لا سيما أن هناك تسللاً له عبر الحدود السورية – العراقية.
الانتماء يصعب العمليات
ويمثل انتماء بعض عناصر “داعش” لسكان المناطق المستهدفة بالعملية العسكرية، عائقاً مهماً أمام تحقيق تقدم فاعل في القضاء الكامل على وجود التنظيم في هذه المناطق.
من جانبه، يرى المستشار العسكري السابق صفاء الأعسم، أن العملية الأمنية تحتاج إلى مراحل عدة، وهذه هي مرحلتها الأولى، مبيناً أن غالبية عناصر “داعش” من سكان المناطق الضالين، ومن الصعوبة السيطرة عليهم كونهم يتحركون بمجاميع صغيرة. ويضيف، “المنطقة قلقة إلى الآن، لأنها عبارة عن شريط حدودي يقع بين البيشمركة والقوات العراقية والحدود السورية، وعناصره يتحركون بين النقاط الثلاثة من المنطقة”، لافتاً إلى أن غالبية الدواعش من أبناء العراق الضالين، الذين تم شراؤهم بالمال”.
ويدخل عناصر “داعش” من الأراضي السورية إلى العراق عبر طرق غير رسمية، وبحركة ضمن مجموعات صغيرة لا تملك مقاراً كبيرة، ولذلك يصعب الكشف عنهم، بحسب الأعسم، الذي يتحدث عن صعوبة مواجهة الطيران لهذه المجاميع التي تنشط ليلاً ونهاراً، كون غالبيتهم من سكان المناطق، ويعرفون الطرق التي يسلكونها.
تحركاتهم واضحة
وأعاد “داعش” خلال الأشهر الماضية نشاطاته في مناطق واسعة من ضواحي مدينة الموصل، بخاصة في المناطق المحاذية للحدود السورية، التي يبدو أنه يوجد فيها بشكل واضح أمام أعين السكان.
ويقول مدير منظمة عين الموصل، أنس الطائي، إن هناك نشاطاً كبيراً لـ “داعش” في مناطق واسعة من ضواحي الموصل، لافتاً إلى أن العملية الأمنية استهدفت مناطق الحضر ومخمور ومكحول والشورة وعين الجحش، وهي مناطق قريبة من الجزيرة.
ويضيف، “هناك مناطق واسعة تركت بعد تحرير عدد من ضواحي الموصل، وقامت الأجهزة الأمنية بمد سواتر تفصلها عن عناصر التنظيم، مشيراً إلى وجود مناطق تحت سيطرته قبل 2014، ولديه دراية بها”.
وأوضح الطائي، أن سكان تلك المناطق أناس بسطاء وثقافتهم محدودة، ولا يدلون بمعلومات للجهات الأمنية، لا سيما أن مناطقهم بعيدة عن الخدمات والطرق التي تصل إليهم، وليست بالمستوى المطلوب. وأشار إلى عدم عودة بعض السكان الذي تركوا مناطقهم الواقعة بضواحي الموصل بسبب تغلل “داعش” فيها بشكل كبير.
وكان تنظيم “داعش” سيطر على مساحات واسعة من البلاد العام 2014، قبل أن تقوم القوات الأمنية العراقية، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بطرده عام 2017.