تحقيقات - ملفات

الفرنسيّين: “هدّوا البال..!”

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

بضعة أيام ويحطّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيروت. بيروت التي لم تعرف الهدوء والسكينة منذ 17 تشرين الأول 2019 لا علم لديها بعد بجدول زيارة الرئيس، تعتمد على التسريب كحال الجميع تقريباً في مقابل تعمّد الرئاسة الفرنسية إخفاء معالم الزيارة!

الأسلوب الفرنسي يمكن ردّه إلى امتعاض الإليزيه من المسار اللبناني. على الأعم الأغلب، يعتقد أن باريس في النهاية ستكشف النقاب عن برنامج ماكرون، وعلى الاغلب انه لن يحمل مساعٍ سياسية. بهذا المعنى، يريد ماكرون تحويل زيارته إلى بيروت كمناسبة لوضع رسائل فجة في الصندوقة اللبنانية، بصمت، من دون أن يدلي بمواقف.

الثابت حتى الآن، لم يتم إبلاغ بيروت رسمياً عن جدول الزيارة. ما تعلمه العاصمة اللبنانية من مصادر مختلفة أن الرئيس الفرنسي سينزل أرض المطار بين يومي 22 و 23 من الجاري ثم سيتوجه على متن طوافة عسكرية يُعتقد أنها تابعة لقوات اليونيفيل إلى مقر قيادة الكتيبة الفرنسية في بلدة دير كيفا في الجنوب على أن يمضي سهرة ويبيت ليلة بجوار الضباط والجنود الفرنسيين ثم يعود خلال فترة الظهر من اليوم التالي إلى مطار بيروت على متن الجهة نفسها، اي اليونيفيل.

وهنا ثمة روايتان، الاولى تفيد عن تولي مروحية تابعة للجيش اللبناني نقل الضيف الفرنسي إلى قصر بعبدا ليلتقي رئيس الجمهورية ميشال عون “بروتوكولياً” ولفترة من الوقت فيستبقيه الرئيس على مائدة الغداء ثم يعود أدراجه إلى المطار ويستقل طائرة الرئاسة الفرنسية متجهاً إلى باريس، أما الرواية الثانية فتعتقد بتوجه ماكرون إلى القصر الجمهوري من مطار بيروت على متن موكب رسمي.

المتفق عليه في الروايتين، ان رئيس الجمهورية ميشال عون سيقوم بإستقبال ماكرون على أرض المطار حين قدومه على أن يُقام إحتفال يتخلله استقبال رسمي بالمناسبة، مع أن الزيارة، على ما يؤكد أكثر من مصدر مطلع، غير مصنفة، لا ضمن رزنامة زيارات الدولة أو زيارة عمل، هي أقرب إلى رحلة إستجمام! وبهذا المعنى تُصبح الأراضي اللبنانية منطقة عبور مفروضة على الرئيس الفرنسي!

ما أوصل الفرنسيين إلى إعتماد هذا النوع من الزيارات أو بالاحرى هذا الاسلوب في معاملة اللبنانيين درجة تلاعب السياسيين اللبنانيين بهم! كان يأمل الرئيس الفرنسي سابقاً أن زيارته الثالثة إلى بيروت ستتكلّل بتأليف حكومة “وفق المندرجات الفرنسية” التي عبرَ عنها من خلال ورقة المبادرة وإجتماع قصر الصنوبر، ليتفاجأ بعد أشهر أن ما فكر به وهماً أقرب إلى سراب وهو –كرئيس دولة- لم ينجح في حل خلافات في منطقة تعد أصغر من “إيل دو فرانس”! والآن وبعد ما يقارب 4 أشهر على إنفجار المرفأ والزيارة الأولى لماكرون، يُراد للرجل أن يحضر على بركة جمع أركان الطبقة السياسية ومصالحتهم، بعد أن تحول ملف تأليف الحكومة إلى مشروع مشكل جديد وعلى كافة المستويات.

خلال نهاية الأسبوع الماضي، إنفجر الخلاف الصامت بين بعبدا وبيت الوسط على نية التباين في مجال تأليف الحكومة، وقد تحول الخلاف إلى ما يشبه نزاع على أحقية الطرف الذي يمتلك حقوق التأليف. بالتوازي مع ذلك، نشب “خلاف صلاحيات” بين رئاسة الحكومة والقضاء على قارعة التحقيق في إنفجار المرفأ، ما أسس إلى توفير مناخات سلبية عمّت البلاد وما زالت، وهي أجواء لا تفيد ابدأ في تأليف حكومة كان الفرنسيون، أو تحديداً “فريق عمل لبنان”، يعول على تأليفها، أو توفير مناخات إيجابية لزيارة الرئيس الفرنسي.

عقب ذلك، أوصل الفرنسيون رسائل استيائهم إلى مختلف المعنيين من خلال مجموعة إتصالات أجريت مع أكثر من جهة، جرى خلالها التعبير عن رسائل الاستياء. وعلى ما تقول مصادر مطلعة، لم تتضمن الاتصالات أي مبادرة لتقريب وجهات النظر بين المختلفين، بل إكتفى الجانب الفرنسي بطلب “تهدئة الاجواء” ريثما يُنجز ماكرون زيارته إلى بيروت.
وعلى ما يبدو، ثمة طرف فرنسي ما زال يحاول ترقية زيارة ماكرون إلى مستويات سياسية أرفع بالنظر إلى الضرورات اللبنانية، وفي سبيل ذلك يحاول إرساء أجواء معينة تنفع في تعديل موقف الرئيس.

طبعاً، الطرف الفرنسي، لا بد أن يكون قد أوصل امتعاضه من عدم تأليف الحكومة. عملياً، كان ماكرون يمني النفس في إستثمار هذا التحول، داخلياً على المستوى اللبنانية والفرنسي وخارجياً على المستوى الدولي، لكنه لم يفلح بجهود شركائه اللبنانيين، بل تحول الآن وعلى أبواب زيارته إلى بيروت إلى ما يشبه “شيخ صلح” تريد أطراف لبنانية وساطته لإنهاء الخلاف المستحكم بين أركان تأليف الحكومة وغيرهم، لذا نشطت مستويات سياسية محلية في ترويج فكرة عبر الإعلام مفادها أن باريس تعمل على إعداد “دراسة جدوى” حول حظوظ الدعوة إلى ما يشبه “طاولة حوار” لبنانية تستضيفها باريس تحت رعاية دولية، ومنهم من قال أن الدعوة مكانها بيروت على أن تتم على سبيل إعادة ترتيب المشهد اللبناني على قاعدة “حوار لبناني – لبناني برعاية فرنسية – دولية”.

حتى الآن، لا شيء من هذا القبيل يحتل العقل الفرنسي. ما تريده فرنسا الآن تطبيق ما جرى التفاهم عليه سابقاً بوجود الجميع، رغم علمها أن إحتمالات إتفاق اللبنانيين بالاستناد إلى ما يحدث تكاد تكون منعدمة. ما يمكن قوله في هذا المجال بالاستناد إلى مواقف مقربين من السياسة الفرنسية، ان باريس لن تتخلى عن لبنان، لكن ذلك لا يعني أن “مبادرة قصر الصنوبر” ستدوم إلى ما لا نهاية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى