البرلمان الكويتي الجديد مُهدّد بالحل في سنته الأولى
على الرغم من التحذير الذي وجهته المعارضة إلى رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح من مغبة أن تضم تشكيلته الجديدة وجوهاً من الحكومة السابقة، مثل الوزيرين أنس الصالح وباسل الصباح، أتت الحكومة العتيدة بالوجهين المذكورين اللذين تتهمهما المعارضة بـ”الفساد والتفرد بقرارات غير شعبية”، إضافة الى الإتيان بوجوه أخرى ترى فيها المعارضة “استمراراً او امعاناً في نهج التفرد بالسلطة المتجاهلة لنتائج الانتخابات النيابية”.
أما ذروة خيبة أمل المعارضين فقد تمثلت في إعادة انتخاب مرزوق الغانم رئيساً لمجلس الأمة بـ 33 صوتاً منها 14 وزيراً، لأن الدستور الكويتي يمنح الحكومة حق التصويت في البرلمان كما لو كان الوزراء نواباً. أما منافسه بدر الحميدي فلم يحصد إلا 28 صوتاً على الرغم من إعلان 41 نائباً الاسبوع الماضي انهم سيصوتون له، فاذا بعشرة نواب “معارضين” يصوتون للغانم ويضع ثلاثة منهم أوراقاً في الصندوق يعرفون سلفاً أنها ستُلغى مثل التصويت للغانم والحميدي معاً. لذا صدرت اصوات من المعارضة تتحدث عن “شراء أصوات نواب بأسعار وصلت إلى 5 ملايين دولار للصوت الواحد”، الى جانب وعود “بمنافع سلطوية مجزية”، وهذا ما ينفيه مرزوق الغانم كما الحكومة نفياً قاطعاً لأن المنافسة “كانت شريفة”، برأيهما، من دون قدرة أحد حتى الآن على اعطاء تفسيرات مقنعة لمفاجأة تغيير قناعات نواب في اللحظة الأخيرة باتجاه التجديد للغانم الذي يحظى بتأييد حكومي كاسح تعبيراً عن تحالف ممتد منذ 2013 بعد تحالف مع خاله الراحل جاسم الخرافي الذي شغل موقع رئاسة المجلس 13 سنة تخللها وصول الشيخ صباح الأحمد الصباح الى سدة الإمارة في 2006.
ويرى مراقبون أن الـ 28 نائباً الذين صوتوا لمنافس الغانم يشكلون النواة الصلبة المعارضة في البرلمان الجديد، ونسبتهم الى إجمالي النواب 56 في المائة، وباستطاعتهم تشكيل رأس حربة ضد تحالف السلطة مع رئيس مجلس الأمة.
وبين الاستحقاقات القريبة سعي نواب المعارضة بقوة الى اقرار قانون للعفو العام يشمل معارضين منفيين في اسطنبول سبق وصدرت احكام بسجنهم على خلفية اقتحام مجلس الأمة في 2011 احتجاجاً على رشى قدمتها الحكومة آنذاك لنواب تقدر بنحو 143 مليون دولار لشراء ولائهم، وثبت ذلك في تحقيقات أمن الدولة إلا أن النائب العام حفظ القضايا بسبب نقص التشريعات المجرمة لتلك “العطايا والمكرمات” عند غسلها في المصارف.
وبالفعل، تقدم النواب حمد محمد المطر، فايز غنام الجمهور، عبدالعزيز الصقعبي، أسامة الشاهين وثامر السويط بـ”مشروع قانون العفو الشامل عن بعض الجرائم” إلى مجلس الأمة.
ومن بين الاستحقاقات أيضاً وقف ملاحقة المغردين المعارضين وسجنهم باحكام قاسية، ومتابعة قضايا فساد تقدر بنحو 10 مليارات دولار في عدة وزارات أبرزها الدفاع والداخلية اضافة الى قضية ما يسمى بـ”الصندوق الماليزي” وقضايا أخرى متعلقة بالتأمينات الاجتماعية والموانئ والنفط وشركة الخطوط الجوية الكويتية وغسيل أموال لأفراد وشركات، والتي تراوح التحقيقات والمحاكمات فيها مكانها لأن بعض ابناء الأسرة الحاكمة ونافذين من التجار وردت اسماؤهم فيها.
الى ذلك، تتحدث المعارضة عن اصلاحات في قانون الانتخابات لتضييق هوامش تدخل السلطة فيها، ومنع تمرير اقرار قانون جديد للدين العام يطلق يد الحكومة في الانفاق كما السابق بدلا من محاربة الهدر والفساد، وخلافات حادة حول الاصلاح المالي والاقتصادي الذي ترى فيه المعارضة مساساً بالتقديمات الاجتماعية للمواطنين مقابل تعزيز امتيازات طبقة التجار.
في المقابل، يبدو ان العهد الجديد لا يرغب في اجراء تغيير جذري تختلف فيه توجهات الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح عن سلفه الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح بالنظر الى خطورة المرحلة التي تمر بها الكويت ومنطقة الخليج العربي، لا سيما النزاع مع ايران وخلافات قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وملف التطبيع الخليجي الاسرائيلي وهبوط اسعار النفط الذي يفرض تقشفاً في الانفاق العام واصلاحاً جذرياً في بنيته.. فكل ملف من هذه الملفات يقسم الشارع الكويتي ويؤثر في الوحدة الوطنية التي يجب أن تعلو، برأي الحكومة، على ما عداها من ملفات وقضايا. ولا يتواني من يؤيد الحكومة وينشد الاستقرارفي منطقة ملتهبة عن رفض أساليب نواب المعارضة التي تذكر بالربيع العربي وما آل اليه، ويشجب الشعبوية التي لا مكان لها في المجتمع الخليجي القائم على توازنات دقيقة.
وأمام هذا التعارض الحاد في المقاربات، يرجح مراقبون، كما بعض من يؤيد الحكومة او المعارضة على حد سواء، عدم صمود مجلس الأمة المهدد بالحل في سنته الأولى، لأن صقور النواب الجدد لا يخفون توجههم الى عدد من الاستجوابات المحرجة والحساسة، لا سيما استجواب الوزير انس الصالح الموثوق جداً من السلطة منذ توليه اول حقيبة في 2012، والذي شغل حقائب التجارة والمالية والنفط والداخلية، وتسلم في التشكيلة الجديدة حقيبة شؤون مجلس الوزراء اضافة الى تعيينه نائباً لرئيس الحكومة. ويرى معارضون في عودته اقوى مما كان تحدياً سافراً لارادتهم في تغييره ومحاسبته على جملة قضايا خطيرة مثل تمييع تحقيقات التنصت على المواطنين وحساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي وتمييع قضايا فساد متصلة بأفراد من الاسرة الحاكمة فضلاً عن محاباته لحلف مرزوق الغانم “على حساب غيره”، كما تزعم المعارضة.
ولا يتوقف الأمر عند الوزير أنس الصالح المحمي أيضاً من طبقة التجار النافذة تاريخياً في الكويت، بل يتعداه الى تهديد باستجواب رئيس الحكومة نفسه، او تقديم كتاب عدم تعاون مع حكومته “اذا استمر تزوير الارادة الشعبية”، كما يدعي المعارضون المنددون بـ”تمرير قوانين غير شعبية عنوةً اعتماداً على قوة التصويت الحكومي في البرلمان وعلى شراء ولاءات نواب في لعبة الترغيب والترهيب”، كما تقول المعارضة. ويجمع المراقبون على ان العهد الجديد لن يساوم بتنازلات تهدّد هيبته ولا تعطيه كامل فرصته بالتغيير الهادئ المتدرج بلا انقلابات، وبالتالي لن تترك له المعارضة الا “حل البرلمان” والدعوة الى انتخابات نيابية جديدة.
وكان أمير الكويت قد افتتح الدورة العادية لمجلس الأمة المنتخب بتأكيده أن نجاح برنامج الإصلاح الشامل یتطلب وعیا مسؤولا وتعاونا فعالا بین مجلس الأمة والحكومة وحزما في تطبیق القانون وتغلیب الحوار الإیجابي المسؤول الذي یوحد ویجمع ویتجنب الفرقة والانقسام ویحقق المصلحة الوطنیة المشتركة. وقال الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مخاطباً النواب والحكومة: “إنكم تدركون ما یشھده العالم ومنطقتنا على وجه الخصوص من تطورات وأمامكم تحدیات جسیمة وآمال یعلقھا علیكم أھل الكویت فلم یعد ھناك متسع لھدر المزید من الجھد والوقت والإمكانات في ترف الصراعات وتصفیة الحسابات وافتعال الأزمات والتي أصبحت محل استیاء وإحباط المواطنین وعقبة أمام أي إنجاز”، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الكويتية (كونا).