تحقيقات - ملفات

عون يُهمل إقتراحاً فرنسياً لتنفيس الإحتقان.. وباريس ممتعضة

ما هو موقف فرنسا من المستجدات القضائية في قضية حادثة إنفجار مرفأ بيروت وأين وصلت مساعيها السياسية؟

“Ras-le-bol”!

“طفح الكيل من الجميع”، عبارة ردّدتها في الأيام الاخيرة أكثر من جهة فرنسية تتابع بإهتمام وعن قرب تفاصيل ملف العلاقات الفرنسية – اللبنانية، وهي تعبّر عن واقع مرير تعيشه باريس حيال كيفية تعاطي المسؤولين اللبنانيين مع الطروحات الفرنسية المتعددة والمتكررة منذ زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت غداة إنفجار مرفأ العاصمة اللبنانية في آب/اغسطس الماضي، وحتى يومنا هذا، إضافة إلى إمتعاض فرنسا من “حال الإنكار” التي يواجه بها هؤلاء “مأساة غرق بلادهم”.

مزيج من “السأم” و”الملل” و”الخيبة” و”الإنزعاج” و”الإستياء” لدى فرنسا نتيجة التصرفات “اللا مسؤولة” و”غير المفهومة” و”غير المقبولة” من قبل مختلف الفرقاء السياسيين اللبنانيين، من سلطات رسمية أو جهات سياسية، وصولا إلى تكوين الإنطباع في باريس بأنه “طفح الكيل”!.

والملاحظ أن الرسائل الفرنسية المباشرة وغير المباشرة، العلنية والبعيدة عن الأضواء، تجاهلها الجانب اللبناني، أو في أحسن الاحوال لم يُحسن التعامل معها، فالإهتمام الفرنسي بلبنان لم يتوقف يوماً منذ أربعة اشهر وعلى مختلف المستويات السياسية (الرئاسة ـ قصر الأليزيه) والديبلوماسية (وزارة الخارجية ـ الكي دورسيه) والأمنية (مختلف أجهزة المخابرات الداخلية والخارجية) كما أنه تجلى في الموقف الاوروبي الموحد الاخير الذي تبنى التصور الفرنسي.

بالمقابل، كانت الأمور تتأزم وتتعقد وتبلغ الطريق المسدود، كلما كانت باريس تتحرك لإيجاد مخارج للأزمة. آخر محاولة هي التي كشف عنها مصدر فرنسي مطلع لموقع 180، وتمثلت في إتصالات أجرتها باريس في عطلة نهاية الأسبوع (يوم الأحد الماضي) بعد نشوء الازمة المستجدة نتيجة قرار المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان الإدعاء على رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين.

وفي التفاصيل، أنه إزاء الموقف المتشدد والتصعيدي من قبل رؤساء الحكومات السابقين ومعهم دار الفتوى لإستدعاء رئيس الحكومة حسان دياب، ومخافة تحول الموضوع القضائي إلى مواجهة طائفية ومذهبية، تقدمت باريس بإقتراح إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية مضمونه أن يقوم الرئيس العماد ميشال عون بـ”مبادرة شخصية” من خلال الطلب إلى القاضي صوان الحضور إلى مكتبه في بعبدا والإستماع إلى وجهة نظره والمعلومات التي بحوزته حيال كيفية تعامل دوائر القصر الجمهوري مع موضوع شحنة نيترات الأمونيوم، بناء على كل المحاضر والمراسلات الرسمية.

وتهدف المبادرة الفرنسية، من جهة، إلى اظهار أن كل السلطات والمراجع في هرم الدولة اللبنانية هي تحت سلطة القانون وتحترم مندرجاته، ومن جهة ثانية، إلى قطع الطريق أمام أية محاولة لشحن الأجواء السياسية وإنزلاقها إلى محظور طائفي ومذهبي خطير قد يترك تداعياته على الإستقرار الأمني الهش في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان.

 ويبدو أن الدوائر القريبة من الرئاسة اللبنانية قد إستمهلت الجانب الفرنسي الذي فوجىء صباح الاثنين الماضي بموقف مستشار الرئيس عون الوزير السابق سليم جريصاتي من خلال المقال الذي نشره في صحيفة “النهار” اللبنانية ورد مكتب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عليه، وبالتالي إستمرار السجالات وحرب البيانات بين الطرفين، الأمر الذي جعل باريس تبدي غضبها وإستياءها الشديدين “من هذه الطريقة في التعامل بين المسؤولين اللبنانيين”.

ويبدو أن باريس لم تقتنع كثيراً بالمبررات التي أعطتها أوساط قريبة من الرئيس عون في شرحها لأسباب عدم تجاوب الأخير مع الإقتراح الفرنسي، متحدثة عن “إجراءات وأصول قانونية للإستماع إلى شهادة رئيس الجمهورية”، في الوقت الذي كان المطلوب ـ بنظر الفرنسيين ـ “تجاوز الشكليات وإتخاذ خطوة سياسية وطنية جريئة ومترفعة” من قبل رئيس جمهورية لبنان.

الإمتعاض الفرنسي لن يخفيه ماكرون خلال لقائه بعون على هامش زيارته إلى لبنان لتفقد القوات الفرنسية العاملة ضمن قوات “اليونيفيل” في الجنوب اللبناني، لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، مع العلم أن هذا اللقاء لم يتأكد رسمياً بعد، ولكن في حال حصوله، تضعه الأوساط الفرنسية في خانة “المجاملة” (“courtoisie”) لا أكثر ولا أقل!

وفي هذا الإطار، ألمحت الاوساط الفرنسية إلى أن ماكرون لن يحمل في جعبته أية مبادرة جديدة نظراً لان باريس لا تزال تتمسك بمبادرتها الأساسية وهي ترى أنها لا تزال صالحة، ومن جهة ثانية، تعتبر أن الدول الكبرى عندما تتخذ مبادرة ما تنطلق من معطيات قائمة على وقائع لا تتغير بين ليلة وضحاها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى