لا يزال “حزب الله” على رأيه ان الوضع في غاية الخطورة وبموازاة استنفاره الامني تحسباً لأي اعتداء محتمل، ادار محركاته واعلن الاستنفار السياسي وانطلق محاولاً رأب صدع العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، وهو كان من بين الناصحين بوقف التراشق بالبيانات بين بعبدا وبيت الوسط. لا يعني ذلك انه يلعب دور الوسيط او يستتبع ذلك بالافراط في التفاؤل، لان الامل بولادة حكومة عما قريب مفقود لا سيما وان عصر المعجزات انتهى.
تراجعت حدة التوتر السياسي امس وتوقفت حرب البيانات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. تعمقت الهوة بين الطرفين وبات التفاهم بينهما شبه مستحيل، كما انه يستحيل ان نشهد ولادة لحكومة جديدة تستبق مجيء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في زيارة لن تتعدى تفقده لقوات بلاده العاملة في “اليونيفيل” في جنوب لبنان يزور بعدها قصر بعبدا، للمشاركة في احتفالية مختصرة يقيمها عون على شرفه. لم يعد يعول على الدور الفرنسي ومبادرته التي صارت بحكم المنتهية قلباً وقالباً وما يبعث على الأسى اخفاق المسؤولين في الاستفادة من مبادرة دولية، بدل ان يصبح لبنان وحده كما هي حاله اليوم. مشهد آخر يبعث على الاسى والمرارة هو ذاك التراشق الاعلامي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وسط صمت مريب للاصدقاء المشتركين بين الطرفين. وكيف لحكومة ان تولد وسط هذا الانقسام وكيف لـ”حزب الله” ان يترك الاوضاع تبلغ هذا الحد من التوتر؟ السؤال عن دور “حزب الله” وموقعه في الازمة السياسية الكبرى التي يعيشها البلد بات ملحاً.
كان واضحاً ان اهتمامات “حزب الله” بدت وكأنها في الآونة الاخيرة في مكان آخر، لا سيما بعد تحذير امينه العام السيد حسن نصرالله من الفترة الانتقالية بين ولايتين رئاسيتين في اميركا. شكل اغتيال العالم النووي الايراني مؤشراً اكثر من خطير استدعى رفع درجة الاستنفار والحذر التي لا تزال سارية المفعول حتى اليوم في الضاحية الجنوبية وخارجها. كان سلّم “حزب الله” ان الامور بعد تكليف الحريري تشكيل الحكومة ستجري على خير ما يرام. عندما عارض استقالة حكومة حسان دياب جاءه من قال له ان حكومة الحريري جاهزة على هذا الاساس والاتكال على الله. كان كلما استفسر “الحزب” الرئيس المكلف عن الحقائب التي ستكون من حصته يأتيه جواب الحريري “لن نختلف وما تحملوا هم”، وماذا عن الاسماء “ايضاً لن نختلف”. في هذا الوقت كان رئيسا الجمهورية والحكومة يطمئنان باستمرار الى حسن العلاقة بينهما وان الامور ايجابية. ورغم علمه بالعكس الا ان “حزب الله” آثر عدم التدخل الى ان بدأت تظهر الخلافات بينهما. وأرسل الحريري يسأل “حزب الله” بعد ان تسلم اسماء وزراء “حركة امل” عن الاسماء التي يرشحها “الحزب”، فكان الجواب لتنتهي من خلافك مع عون. في كل المراحل الماضية لم يكن يجد “حزب الله” حاجة للتدخل الى ان بدأت العراقيل وجاءت العقوبات الاميركية وتعطل ما تعطل معها. لاحقاً بدأت تظهر العراقيل وكانت الحاجة ليجلس الرئيسان ويتفاهما معاً بوصفهما معنيين بتشكيل الحكومة: “كنا ندرك ان الاجواء الايجابية التي تشاع عن قرب تشكيل الحكومة لم تكن صحيحة الى ان مضى على التكليف ستة اسابيع”. كان الخلاف الاساسي على عدد الوزراء المسيحيين وحق عون ومعه باسيل بتسميتهم، مثلما يسمي المكون الشيعي الوزراء الاربعة من كامل حصته، ومثلما للحريري حق تسمية الوزراء السنّة، فضلاً عن اسباب اخرى مرتبطة بالرهانات على الخارج.
ما يراه “حزب الله” ملحاً هو تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن لاسباب داخلية وخارجية غير ان هذا الامر يحتاج اولاً الى تفاهم بين الرئيسين، ومن دون ذلك لا حكومة، وأن تسود وحدة المعايير ليسود الارتياح لدى كل المكونات المعنية بتشكيل الحكومة في ظل الحاجة الى اتخاذ قرارات خطيرة كرفع الدعم وغيرها. حين رأى “حزب الله” ان الامور لم تعد تسير مثلما يلزم وهناك عقد داخلية وخارجية ورهانات، “شعرنا ان من واجبنا ان نتحاور مع رئيس الحكومة المكلف ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الجمهورية لضرورة تشكيل الحكومة”. وتقول مصادر مطلعة على اجوائه ان “حزب الله” في صدد الجلوس وتبادل الأفكار مع رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، “من دون ان نكون وسطاء” لان العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف هي علاقة مباشرة. لا تنفي المصادر المطلعة ان “حزب الله” كان له دور في تهدئة الاوضاع ووقف التراشق بين بعبدا وبيت الوسط، وقد وجد ذلك ضرورة لاستحالة تشكيل الحكومة في ظل مثل هذه الاجواء. كان “حزب الله” من الناصحين بالتهدئة كمقدمة او كشرط للحوار بين الاطراف، حيث تسود الهواجس من ان الحريري لا يريد تشكيل حكومة، وبالمقابل فان هواجس الآخرين تنطلق من ان رئيس الجمهورية لم يعد يريد الطائف وان هذه الحكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية، فضلاً عن الهاجس المستجد وهو الدعاوى القضائية المتبادلة بين الطرفين، لا سيما وان “حركة امل” تستعد هي بدورها بعد “الاشتراكي” للتقدم بدعوى قضائية على خلفية موضوع المرفأ وغيره. ما سيسعى اليه “حزب الله” اولاً هو التهدئة لعودة مسار العلاقة بين عون والحريري الى مسارها الطبيعي لتشكيل الحكومة.